بقيادة سعودية وفي ظل ظروف عجز وانهيار للسياسات العربية قرر العرب تبني استراتيجية السلام مع إسرائيل, بديلاً عن استراتيجية الحرب التي أثبتت ضعف وهشاشة القوة العسكرية العربية في مواجهة العدو الصهيوني خلال نصف قرن قيام الدولة العربية الوطنية. لكن, هل يملك العرب الاستعداد النفسي والسياسي للقيام بما تتوجبه هذه الاستراتيجية من استحقاقات وطنية ودولية؟ الإجابة بكل بساطة: العرب لا يملكون ذلك حالياً, لأسباب عدة: 1- التاريخ القومي الموغل في النفسية العربية التي تحمل الكثير من ألم الهزائم العسكرية والحضارية المتتالية خلال نصف قرن. 2- الظروف العربية التي تشهد هيمنة اجتماعية وسياسية غير مسبوقة للفكر الديني وجماعاته المتطرفة الرافضة لكل الحلول السلمية مع إسرائيل, مما يحمل في طياته احتمالات الصدام العسكري. 3- عدم وضوح صورة استراتيجية السلام التي وردت في المبادرة العربية, بمعنى ماهية نوع السلام المنشود, هل هو السلام القابل للتفاوض, أم أنه سلام بشروط مسبقة؟ 4- انعدام المرونة السياسية للمبادرة العربية سيخضعها فيما بعد للكثير من الضغوط الدولية التي ستؤدي بالعرب لتقديم تنازلات غير محسوبة. 5- وجود حركة "حماس" في السلطة عنصر معطل للمبادرة العربية, لأن الحركة تريد الحصول على المكاسب دون مقابل! 6- عدم توفر تقبُّل شعبي للتعامل مع إسرائيل من خلال السلام بدلاً من الحرب، ولو على سبيل الاستعراض الشكلي. 7- عدم توفر البدائل العربية فيما لو تعرضت المبادرة للإعاقة السياسية. 8- وجود الفلسطينيين في البلدان العربية والذين لا أمل باحتمال عودتهم لفلسطين التي لا يزالون يحملون مفاتيح منازلهم التي كانوا بها قبل خمسين عاماً مضت, ولا أمل بالعودة. 9- عدم وجود سياسة خارجية عربية واحدة. وإذا كانت السعودية قد استطاعت قيادة العرب اليوم , فهو أمر لا يمكن ضمانه في المستقبل, بسبب المزاج العربي المتقلب. 10- وجود مشاكل عربية ضمن النظام السياسي العربي مثل وضع النظام السوري مع لبنان والمأساة العراقية التي لا يبدو أنها ستجد حلاً في أقل من خمس سنين قادمة. 11- الدور الإيراني المزعج واحتمالات الصدام الطائفي في المنطقة, وعجز العرب عن امتلاك أي تصور لكيفية التعامل معه. وبناء على ما سبق لا يمكن تصور احتمالات السلام في المرحلة الحالية التي ستوفر لإسرائيل قدرة غير مسبوقة في التفوق في أي مفاوضات قادمة. مرحلة السلام تحتاج إلى مخاض عربي عسير يدخل فيه العالم العربي في الفوضى السياسية والاجتماعية, حتى تتمكن القيادات العربية القادمة من بناء السلام على أنقاض الحاضر.