بدأت تبرز في الآونة الأخيرة إشارات مقلقة من المغرب تشير إلى إمكانية تحوله إلى أرض خصبة تنشط فيها جماعات إرهابية أكثر تعقيداً من سابقاتها. والمثال الأوضح على ذلك هو محاكمة خمسين إسلامياً وجهت إليهم تهم التخطيط لمهاجمة السفارة الأميركية في العاصمة الرباط، وقاعدة عسكرية، فضلاً عن منشآت سياحية. وخلافاً للجماعات الأخرى التي كانت وراء التفجيرات الإرهابية السابقة في هذا البلد الإسلامي المعتدل، لم تأتِ الجماعات الأخيرة من الأحياء الهامشية لمدينة الدار البيضاء، بل من الشرائح العليا للمجتمع. وتضاف إلى ذلك شواهد متزايدة على وجود تنسيق مشترك بين الجماعات الناشطة في شمال أفريقيا وتنظيم "القاعدة" في العراق وباكستان، مما يثير مخاوف كبيرة من عودة أعضاء ذلك التنظيم إلى بلدانهم مزودين بمهارات قتالية جديدة. ويعبر عن هذا التخوف "إيفان كولمان"، وهو مستشار في مكافحة الإرهاب ومتخصص في الجماعات الإسلامية المتشددة بقوله: "نحن أمام منعطف خطير، فإذا نظرنا إلى الشريحة الاجتماعية التي تلتحق بالجماعات الإرهابية، سنجد أنها أكثر تعلماً، وازدهاراً من سابقاتها". وتضم الجماعة التي تحاكم في المغرب والمسماة "أنصار المهدي"، أشخاصاً ينتمون إلى الطبقة الوسطى المغربية، بينهم أفراد في الجيش، فضلاً عن زوجات لأربعة طيارين في شركة الخطوط الملكية، وذلك حسب التصريحات التي أدلى بها مسؤولون حكوميون إلى وسائل الإعلام. وكان الانتحاريون الذين قتلوا 33 شخصاً في تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، والانتحاري الذي فجر نفسه خلال شهر مارس الماضي، إضافة إلى منفذي تفجيرات مدريد عام 2004، من سكان الأحياء الهامشية في مدينتي الدار البيضاء وتطوان. ويوضح "كولمان" هذا التغيير الذي لحق بالتركيبة الاجتماعية للإرهابيين قائلاً: "إن الصورة النمطية للانتحاريين هي أنهم فقراء ومحدودو الذكاء"، وهي صورة كانت سائدة في المغرب حتى هذه اللحظة. غير أن حصرهم في هذه الخانة الضيقة "على أمل أن يبقى خصومك يصنعون القنابل الصغيرة وغير الفعالة"، لن يساعد في القضاء على الإرهاب. ومن ناحيتها قامت الأجهزة الأمنية في المغرب وفي جارتها الجزائر، بملاحقة الجماعات الإسلامية التي ينظر إليها كتهديد لنظامي البلدين. لكن ذلك لم يفضِ إلى نتائج ملموسة، لاسيما في ظل ما تشير إليه جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان من اعتقال أشخاص أبرياء وإخضاعهم للتعذيب، ما يؤدي إلى خلق مزيد من الإرهابيين. وبخصوص الجهود الأمنية التي تقوم بها بلدان شمال أفريقيا لاستئصال الإرهاب، يقول "روهان جارانتا"، وهو أستاذ مشارك في كلية العلاقات الدولية بجامعة سنغافورة ومؤلف كتاب حول "القاعدة"، إن الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا "عانت من ملاحقة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي تنسق مع الولايات المتحدة". لكنه يضيف: "أثبتت تلك الجماعات قدرتها على البقاء والاستمرار". كما يقول إن "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" و"الجماعة الإسلامية التونسية المقاتلة"، فضلاً عن "الجماعة الجزائرية" التي تحولت إلى "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"، أصبحت كلها "تملك حضوراً في المناطق القبلية بباكستان، فضلاً عن تواجدها في العراق". ومن هنا ينبع الخوف لدى السلطات المغربية من أن "الإرهاب الهاوي" الذي اعتمدت عليه بعض الجماعات الإرهابية قد يتحول، مع عودة المقاتلين من العراق، إلى "إرهاب احترافي". وفي هذا الإطار يشير "كولمان" إلى أن جماعات شمال أفريقيا الإرهابية لديها انتحاريون في العراق، والمشكلة "هي رجوع المقاتلين المغاربة من العراق وتنسيقهم مع الجماعات الأخرى في الجزائر". وفي الوقت الذي اعتقد فيه المراقبون أن العناصر الإرهابية في الجزائر وصلت إلى حافة الانقراض، استطاعت تلك العناصر مؤخراً تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد العمال الأجانب وأفراد الشرطة والجيش الجزائريين. وقد صرحت وزارة الداخلية المغربية بأنه لا توجد صلة بين الجماعات المغربية و"القاعدة". والواقع أن العملية الانتحارية الأخيرة التي استهدفت، في 11 مارس الماضي، مقهى للإنترنت في أحد الأحياء الهامشية بالدار البيضاء لم تقتل سوى المنتحر نفسه بعدما ارتبك لدى مطالبة صاحب المقهى له بالتوقف عن ارتياد المواقع الجهادية على الإنترنت. لكن الوزارة أضافت أن الجماعات الإرهابية الجزائرية التي أعادت تسمية نفسها بـ"تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"، قد تشكل مرجعاً يسترشد بها المغاربة الذين يتطلعون إلى ممارسة ما يرونه"جهاداً". جيل كارول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في المغرب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"