حضرت تواً مؤتمراً عقد في فندق مطل على البحر الميت في الأردن. وقد تم تنظيم المؤتمر تحت رعاية "مركز الدراسات الاستراتيجية" التابع لجامعة الأردن و"معهد أميركان إنتربرايز"، وكان الغرض الأساسي منه جمع المفكرين الأميركيين والعرب المعتدلين في مكان واحد، للتباحث بشأن العراق وإيران وبشأن الآمال التي قد تكون متبقية للديمقراطية في الشرق الأوسط. لكن ما حدث هو أن المشاركين العرب في المؤتمر كانوا يريدون التركيز على شيء واحد هو اللوبي الإسرائيلي، حيث أشار أحدهم إلى كتاب صادر في منتصف التسعينيات بقلم المحلل السياسي اليهودي "ديفيد وارمسر" واصفا إياه -الكتاب- بأنه كان مخططاً سرياً اعتمدت عليه السياسة الخارجية الأميركية خلال العقد الماضي. يذكر هنا أن مراكز استطلاع الرأي قد بينت أن هناك أغلبية في العالم العربي تؤمن بأن اللوبي الإسرائيلي له نفوذ على السياسة الخارجية الأميركية يفوق نفوذ الرئيس جورج بوش نفسه. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، حيث استشهد المتحدثون العرب، الواحد تلو الآخر، في المؤتمر بأعمال كتبها "ستيفن والت"، و"جون ميرشايمر" و"جيمي كارتر"، كأدلة على أن الأميركيين ذاتهم قد أصبحوا يعترفون بأن اللوبي الإسرائيلي يسيطر على حكومتهم. وفي رأيي أن المشكلات القائمة بين الولايات المتحدة والعالم العربي، ليست لها علاقة بالأصولية أو التطرف الأيديولوجي، كما ذهب إلى ذلك عدد من المتحدثين العرب، وإنما لها علاقة بسياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وبالقوى التي تحكم تلك السياسات. أما بالنسبة للمشكلات في العالم العربي فهي الأخرى لها منبع واحد هو إسرائيل، كما أشار إلى ذلك هؤلاء المتحدثون. وليس هذا فحسب بل إن أحد رجال الدولة العرب المخضرمين، كان من رأيه أن الموضوعات الأكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط خلال وقتنا الراهن، وهي الصراع العربي- الإسرائيلي وتوترات الساحة اللبنانية والفوضى في العراق والمواجهة الأميركية مع إيران... مترابطة فيما بينها وتكمن إسرائيل في صلب كل واحد منها. وقد حاولنا، نحن الأميركيين، دفع أصدقائنا العرب للحديث أكثر عن الانشقاق السُّني- الشيعي، والحرب الأهلية العراقية، والصعود الإيراني... ولكنهم بدوا غير مهتمين بمحاولاتنا، بل كرروا ما جاء في خطاب الملك الأردني عبدالله الثاني الذي ألقاه مؤخراً أمام الكونجرس الأميركي، والذي امتنع فيه أو كاد عن ذكر أي شيء حول الفوضى العراقية بالقرب من حدوده وركز جل حديثه على إسرائيل. ليس هناك من حاجة إلى القول إننا نحن الأميركيين لدينا رواية أخرى. فنحن ننزع إلى القول بأن مشكلات الأصولية الإسلامية والتطرف والأوتوقراطية... لا يمكن وضع عبء المسؤولية عنها على إسرائيل وعلى بول وولفوفيتز مثلاً، لأن تلك المشكلات لها جذور تاريخية أكثر عمقاً. فنحن ننزع لرؤية المسألة الإسرائيلية- الفلسطينية ليس باعتبارها أصلاً لظاهرة الأصولية ولكن على أنها مشكلة زادتها الأصولية عسراً وصعوبة. بمعنى آخر، كانت للمتحدثين العرب في ذلك المؤتمر روايتهم وكانت لنا روايتنا. وللأسف، فإن كل رواية مرت بجوار الرواية الأخرى دون أن تتماس معها. ولكن الشيء اللافت للنظر في ذلك الاجتماع كان النغمة العاطفية فيه. لقد جاء وقت بعد الحادي عشر من سبتمبر ساد فيه نوع من القبول العام لفكرة أن الإرهاب والتطرف يمثلان عرَضين لعلة عربية أعمق. لقد بدا في ذلك الوقت وكأن هناك قبولاً بأن العالم العربي قد تخلف عن ركب الحضارة، وأنه بحاجة إلى عملية تحديث اقتصادي وسياسي وديني. بيد أن ذلك لم ينعكس على المتحدثين العرب في المؤتمر المذكور، ففي مقابل سؤال "برنارد لويس": أين مكمن الخطأ؟ بدا هؤلاء المتحدثون وكأنهم يقولون: "ليس هناك مشكلة فينا وإنما نحن نسأل: ما هي المشكلة فيكم؟". لقد أدت أحداث الثلاثة أعوام التالية إلى تغيير تشخيصهم للحالة. فبدلاً مما كانوا يقولونه من أن مكمن العلة يكمن في الخلل الوظيفي في العالم العربي، فإنهم أصبحوا يقولون إن مكمن الخلل هو سوء النية في تل أبيب، وفي اللجنة العامة للشؤون الأميركية الإسرائيلية "إيباك". علاوة على ذلك فإن ورقة "والت" و"ميرشايمر" عن اللوبي الإسرائيلي كانت لها أصداء عميقة على النخب العربية، حيث شجعتها على أن تكون أقل تعمقاً في فحص تصرفاتها وألا تفكر في مشكلاتها، وإنما ترجع كل شيء ببساطة إلى الشبكة الإسرائيلية الشريرة في الولايات المتحدة الأميركية. لذلك أقول إننا مقدمون على مرحلة أكثر صعوبة وعسراً في الصراع... وهذه المرحلة لن تكون في صورة حرب حول الأرض أو حول النفط أو حتى حول المؤسسات الديمقراطية، وإنما ستكون في صورة حرب حول الروايات. فالعرب سيطلبون أن تتبنى الولايات المتحدة وإسرائيل روايتهم، وأن تعترفا بخطيئتهما التاريخية، وسوف يحاولون أيضاً بعد أن أخفقوا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً... أن يخوضوا معركةً من أجل التفوق المعنوي وهو نوع من المعارك لا يتيح الفرصة للحلول الوسط واتفاقيات الهدنة. أما الأميركيون فإن كل ما سيريدونه هو الخروج من المنطقة. فبعد الحادي عشر من سبتمبر، دعا بوش الولايات المتحدة إلى الانخراط بعمق في شؤون الشرق الأوسط، أما الآن فإن معظم الأميركيين قد يئسوا من قدرتهم على تحويل الشرق الأوسط وتعزيز رغبة العرب في التغيير، مما سيجعلهم يضيقون ذرعاً بالأمر في مجمله، ويؤيدون أية سياسة للطاقة أو أي شيء آخر يساعد الولايات المتحدة على قطع علاقاتها مع المنطقة. إن ما هو أمامنا ليس صراعاً بين الحضارات، وإنما هو فجوة بين الحضارات، وهي فجوة ستتزايد باستمرار دون أن تكون هناك روايات مشتركة أو أهداف مشتركة أو حتى وسائل للاتصال! ديفيد بروكس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"