عدتُ لتوي من زيارة إلى العراق، هي الخامسة لي منذ عام 2003، والأولى منذ أن بدأ سريان الاستراتيجية الجديدة للجنرال "ديفيد بيترايوس". وللمرة الأولى كان وفدنا قادراً على القيادة من مطار بغداد، وحتى وسطها بالسيارة -وليس بطائرة الهليوكوبتر. وللمرة الأولى، تمكنا من مقابلة شيوخ قبائل سُنة في محافظة "الأنبار" يعملون مع القوات الأميركية والعراقية من أجل محاربة "القاعدة". كما زرنا للمرة الأولى أيضاً القوات الأميركية والعراقية، التي تعمل من خلال محطة أمنية مشتركة في بغداد تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الجديدة. وقد عقدنا مؤتمراً صحفياً ناقشنا فيه ما رأيناه من علامات إيجابية، قلما تتطرق إليها التقارير الإخبارية في الولايات المتحدة، ويمكن أن نتخذ منها أساساً لتفاؤل حذر. وقد توقف وفدنا في سوق محلي قضينا فيه ما يزيد على الساعة في التسوق والحديث مع السكان المحليين، واستطلاع آرائهم وأفكارهم عن العديد من المسائل موضع الاهتمام. وعلى رغم أن الأسواق الشعبية في العراق كانت محلاً لهجمات إرهابية أدت إلى مقتل العشرات، فإنها غدت اليوم أكثر أماناً بفضل السياسة الجديدة، التي تم اتباعها بمنع دخول السيارات والشاحنات إليها للحيلولة دون عمليات التفجير بالسيارات المفخخة، ولعل هذا تحديداً ما كان الجنرال "بيترايوس" يريد منا أن نراه. لقد ذهبت إلى العراق للحصول على معرفة مباشرة عن مدى التقدم الذي حصل، وليس لأحتفل بأي انتصارات. أقول هذا لأنه لم يكن هناك من هو أكثر مني انتقاداً لتقارير التقدم المنافية لما كان يحدث في الواقع، كما كنت كذلك من أوائل المطالبين بإرسال المزيد من القوات لتوفير الأمن اللازم لتحقيق التقدم السياسي، كما اختلفت في ذلك الوقت مع من قاموا بتوصيف القائمين بالتمرد بأنهم مجموعة من الأشخاص الذين يعملون بدافع اليأس، أو أن التمرد ذاته قد أصبح "يلفظ أنفاسه الأخيرة". كما انتقدت مرارة وتكراراً الاستراتيجية السابقة التي كانت تعتمد على البحث عن المتمردين وقتلهم، ودعوت دوماً إلى التفرقة بين السكان الذين يمكن التصالح معهم، وهؤلاء الذين لا يمكن التصالح معهم، مع العمل على توفير درجة كافية من الأمن تفتح الطريق للحلول السياسية والاقتصادية، التي هي الطريق الوحيد لهزيمة المتمردين في نهاية المطاف. وهذا بالضبط هو النهج الجديد الذي ينتهجه "بيترايوس" والرجال والنساء الشجعان في القوات المسلحة الأميركية في العراق في الوقت الراهن. فالاستراتيجية السياسية- العسكرية الأميركية في العراق بدأت تحقق نتائج ملموسة لا يدري الأميركيون عنها شيئاً للأسف، لأن معظم وسائل الإعلام الأميركية لا تقوم بنقل أخبار عنها، وإنما تركز معظم اهتمامها على انفجار السيارات المفخخة والهجمات بمدافع "الهاون" التي لا تكشف سوى القليل عن الاتجاه الاستراتيجي للحرب، أو عن دلائل التقدم. وسواء اختار الشعب الأميركي أن يؤازر أو يعارض جهودنا في بلاد الرافدين، فإنني آمل أن يتخذ قراره في هذا الشأن بناء على الصورة الكاملة -بقدر الامكان- عن الوضع في العراق. وفيما يلي بعض الأمثلة التي يمكن أن تفيد في توضيح مثل تلك الصورة: - شيوخ القبائل السُّنة في محافظة الأنبار أصبحوا يقاتلون "القاعدة" جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الأميركي والعراقي، كما أن رئيس الوزراء نوري المالكي زار مدينة الرمادي عاصمة تلك المحافظة للالتقاء مع شيوخ القبائل، وهو اللقاء الذي أسفر عن الاقتراح الجديد بخصوص إعادة النظر في قانون "استئصال البعث" كما ازدادت أعداد المتطوعين من أبناء المحافظة في قوات الأمن زيادة هائلة خلال الشهور القليلة الماضية. - تم تأسيس 50 قاعدة أمنية أميركية- عراقية مشتركة في بغداد، مما أدى إلى تعزيز الأمن، وإلى توفير المعلومات الاستخبارية المهمة. - اختباء الزعيم الشيعي المتطرف مقتدى الصدر وتوقف أنصاره عن معارضة القوات الأميركية، وانخفاض منسوب العنف في بغداد. وفي الوقت الراهن تعمل القوات الأميركية والعراقية المشتركة بالتعاون مع حاكم مدينة الصدر. - ازدياد قدرة الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية على القتال بمفردهما ودون عون من القوات الأميركية. وعلى رغم كل تلك الدلائل، فإنه يجب ألا تساورنا أية أوهام، لأن التقدم الذي حدث ليس نهائياً ولا حاسماً، وإنما هو مشجع فقط، إذ لا يزال أمامنا طريق طويل وصعب في العراق. بيد أن ما يشجع هو أنه ولأول مرة قد أصبحت لدينا استراتيجية صحيحة، وهو ما يرجع في نظري إلى أننا قد اخترنا أخيراً رجلاً عسكرياً محترفاً ومتخصصاً في هذا النوع بالضبط من الحرب التي تدور في ذلك البلد. جون ماكين سيناتور "جمهوري" عن ولاية أريزونا ومرشح لخوض انتخابات الرئاسة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"