بموازاة مع تقدم خطة أمن بغداد تحت قيادة الجنرال "ديفيد بيتراوس"، تقوم القوات الأميركية والعراقية باعتقال المئات من المتمردين والإرهابيين وغيرهم من مجرمي العاديين الذين يتم تحويل الكثيرين منهم إلى العراقيين من أجل احتجازهم. غير أن المشكلة تكمن في أن النظام القضائي العراقي، المسؤول عن معالجة قضايا هؤلاء المعتقلين، لم يرقَ بعد إلى مستوى المهمة، وهو ما يرغم الأميركيين على إنشاء المزيد من مراكز الاعتقال للاحتفاظ بجميع المحتجزين وجلب المزيد من أفراد الشرطة العسكرية لحراستهم. ومعلوم أن الجهاز القضائي العراقي تضرر كثيراً بسبب أربع سنوات من الحرب، إضافة إلى فقدان القضاة والمحامين الذين فروا من البلاد أو قتلوا. ونتيجة لذلك، لم يعد النظام القضائي في العراق اليوم قادراً على معالجة قضايا الكثير من المعتقلين الجدد. وتمثل هذه المشكلة تحدياً رئيسياً بالنظر إلى سعي القوات الأميركية والعراقية إلى إرساء الاستقرار في بعض من أخطر الأحياء والمدن العراقية. ولذلك، تعمل القوات الأميركية حالياً على تعزيز منشآتها السجنية، ومساعدة العراقيين على بناء مراكز اعتقال تابعة لهم. وإضافة إلى ذلك، فقد أعلنت "البنتاجون" رسمياً مؤخراً عن إرسال أزيد من 2000 فرد إضافي من الشرطة العسكرية الأميركية إلى العراق قصد الالتحاق بأفراد الشرطة العسكرية الأميركيين الثلاثة آلاف المتواجدين هناك. مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية يعتبرون هذا التحرك مؤشراً على ثقة الجنرال "بيتراوس" في قدرته على تنظيف الشوارع من المجرمين، مُسخراً في سبيل الإمكانيات المناسبة لذلك، تلافياً لإخفاق آخر على شاكلة فضيحة "أبو غريب". وفي هذا الإطار، يرى مايك نيوتن، أستاذ القانون بجامعة فانداربيلت والضابط العسكري المتقاعد، الذي زار العراق أربع مرات باعتباره مستشاراً قانونياً، أن القبض على المجرمين والمتمردين وغيرهم واعتقالهم للفترة التي يقتضيها الأمر "تخطيط عملي سليم جداً"، مضيفاً "إذا كنت تتوفر على قوات عسكرية في الميدان في إطار زيادة عدد القوات، فإن ذلك عامل مساعد جداً. أما إذا كنت تفعل ذلك وتعلم أن ثمة أشراراً في الحي يتربصون بك، فعليك أن تحتجزهم". بيد أن ذلك يعني التوفر على القدرات الكافية لاحتجاز المعتقلين إلى أن يستطيع النظام القضائي العراقي -الذي كان مفخرة العراق على مدى عدة قرون- استعادة مجده القديم. ومما يذكر هنا أن الولايات المتحدة احتجزت خلال السنوات القليلة الماضية نحو 13000 معتقل، وتحتجز اليوم نحو 18000 معتقل. وإذا كانت خطة أمن بغداد المعروفة بـ"فرض القانون" بدأت تحرز بعض التقدم، فإن "بيتراوس" يخطط لإمكانية احتجاز ما قد يصل إلى 40000 معتقل، من المنتظر أن يتم احتجاز معظمهم في منشأتين رئيسيتين هما "معسكر كروبر" في بغداد، و"معسكر بوكا" إلى الجنوب. ومن المنتظر أن تحتفظ القيادة الأميركية بالعديد من هؤلاء المعتقلين إلى أجل غير معلوم من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية حول الشبكات المحلية وأنشطة المتمردين أو الإرهابيين، على أن تقوم بتقييم دوري لحالاتهم والأخطار الأمنية التي قد يطرحونها في حال إطلاق سراحهم. هذا في حين يُنتظر نقل الكثيرين منهم إلى العراقيين ليصبحوا تحت وصاية المحكمة الجنائية المركزية في العراق. وفي غضون ذلك، من المرتقب أن يفتتح العراقيون قريباً أكاديمية للشرطة في إقليم الأنبار، يُنتظر أن تدرب ما قد يصل إلى 1000 ضابط شرطة في الشهر –أي ضعف العدد الحالي، حسب الجنرال "والتر جاسكين"، قائد القوات متعدد الجنسيات في المناطق الغربية. وهو ما من شأنه -يقول الجنرال "جاسكين" خلال مؤتمر عبر "الفيديو" مع الصحافيين في البنتاجون– أن يساهم بفعالية في إزالة العناصر الخطيرة من الشوارع وجعل العراقيين يشعرون بالأمان. إلا أن الجنرال "جاسكين" سرعان ما لفت إلى أن القدرة المتزايدة للشرطة العراقية على القيام بالمزيد من الاعتقالات يمكن أن تشكل سيفاً ذا حدين، إذ يقول "في الوقت الذي بتنا نتوفر فيه على أفراد الشرطة هؤلاء اليوم، الذين يعملون في إطار القانون، والقادرين على اعتقال العناصر الإجرامية والمتمردة على الحكومة العراقية، قامت سلطات الأنبار بزيادة عدد المعتقلين الذين كنا نحتجزهم، وهو أمر سار في الواقع، إلا أنه يطرح لنا مشكلة تتمثل في عدد المعتقلين الكبير". ومن جانبه، يقول المقدم كريستوفر جارفار، المتحدث باسم القوات متعددة الجنسيات في العراق، إن المهمة ستتطلب الآلاف من أفراد الشرطة العسكرية الأميركية، الذين يمكن الاستفادة منهم أيضاً بطرق مختلفة حسبما تقتضي المهمة. والواقع أن ثمة سبباً آخر لتواجد 5000 فرد من أفراد الشرطة العسكرية في العراق خلال عملية زيادة عدد القوات الأميركية هناك، ألا وهو تلافي فضيحة أخرى مثيرة للجدل مثل فضيحة "أبو غريب"، التي قام فيها عدد من الحراس العسكريين الأميركيين -الذين لم يتلقَّ بعضهم تدريباً لحراسة المنشآت العقابية- بالشيء الخطأ. وفي هذا الإطار، يقول جارفار: "سنعمل على التحقق من أننا نتوفر على المهارات الضرورية"، و"القيادة الصحيحة" التي تشرف على عمليات المعتقلين، مضيفاً "إننا نسعى جميعاً إلى عدم تكرار ما حدث من قبل". جوردون ليوبولد كاتب ومحرر سياسي في "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"