في دراسة أجرتها "منظمة الشفافية الدولية" بشأن معدلات الفساد في العالم، مؤخراً، احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى عربياً، والحادية والثلاثين عالمياً، من حيث الالتزام بمعايير الشفافية الاقتصادي ومكافحة الفساد. إلا أن هذا الواقع المتقدم نسبياً للإمارات -وإن كان مقبولاً على مستوى العالم- يعدّ متأخراً نسبياً في دولة هي الأسرع نمواً وازدهاراً في المنطقة، وهي في الوقت نفسه الأسرع تحوّلاً في العديد من المجالات، ما يتطلب إرساء مزيد من الشفافية والمساءلة التي تقضي على ما تبقى من مظاهر الفساد في القطاع العام، من خلال الالتزام الصارم لدى القيادة السياسية بمحاربته، ومساهمة مؤسسات المجتمع المدني في جهود المواجهة الشاملة له، ومشاركة لأجهزة الدولة المختصة في هذه المهمة، ووضع نظم للإدارة العامة تقوم على الاعتبارات المهنية السليمة وإلغاء جميع أشكال التعقيدات الإدارية المساعدة للفساد، ونشر الحقائق وعدم التعتيم على جرائم المفسدين. فلعلّ النهج الاقتصادي لدولة الإمارات، والأخذ بسياسات الانفتاح الاقتصادي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، يفرضان عليها الأخذ بالمزيد من سياسات الشفافية والوضوح والمساءلة وتحسين (حاكمية) الدوائر الحكومية والشركات، التي هي محاور أساسية في عملية التنمية الاقتصادية في أدبيات اقتصاد السوق المعاصرة. ورغم هذه المرتبة المتقدمة التي أحرزتها دولة الإمارات في مجال الشفافية ومكافحة الفساد على الصعيد العالمي، فإن هناك بعض القطاعات التي لا تزال تعاني ضموراً واضحاً في مستوى الشفافية تتطلب اهتماماً خاصاً خلال المرحلة المقبلة. فالإمارات التي أحرزت تقدماً كبيراً في مجالات الإصلاح الهيكلي، وتحسين مناخ نشاط الأعمال، وإصلاح نظام إدارة الحكم ونوعية الإدارة العامة، لا تزال تحتاج إلى اتخاذ خطوات كبيرة باتجاه رفع مستوى الشفافية في بعض المحاور والقطاعات. إن المساءلة والشفافية مفهومان مترابطان يعزز كل منهما الآخر، وفي غياب الشفافية لا يمكن وجود المساءلة، وما لم تكن هناك مساءلة فلن تكون للشفافية قيمة أو مبرر، بينما يسهم وجود هذين المقوّمين معاً في خلق إدارة فعالة وكفؤة ومنصفة، وتشكيل صورة أكثر دقة لسلامة النشاط الاقتصادي ككل. إلا أن الالتزام بالقواعد المقرة دولياً للشفافية والمساءلة وتحسين (حاكمية) الدوائر الحكومية والشركات، يعتبر واجباً أساسياً على الجميع، وهو ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة ورخاء المجتمع. وإن كان اهتمام "منظمة الشفافية الدولية" منصبّاً حول الفساد والشفافية في الدوائر الحكومية، فإن ذلك لا يعني نزاهة أو شفافية القطاع الخاص، بل المؤكد أن الفساد في القطاع الخاص ربما يكون أكبر حجماً وأوسع نطاقاً، كما أن غياب الشفافية هو إحدى السمات البارزة لهذا القطاع الذي تهيمن عليه الشركات العائلية بصفة أساسية، كما أن المؤكد أيضاً أن حجم الفساد في هذا القطاع يتزايد مع تزايد حجم النشاط الاقتصادي، وتزايد عدد المشروعات. فالإمارات لا تزال تحتل مرتبة متأخرة نسبياً، حتى في محيطها الإقليمي، فيما يتعلق بتطبيق المبادئ الأساسية لـ(حوكمة) الشركات والتي صاغتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". المطلوب إذاً الإسراع في سدّ هذه الثغرة، بعد أن أصبحت هذه المعايير من أهم العوامل التي تسهم في دفع الأنشطة الاقتصادية إلى الأفضل، إذ إن مرحلة الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه الإمارات، تستوجب أكثر من أي وقت مضى تعزيز (الحوكمة) في مؤسسات القطاع الخاص. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.