إذا ما قدر لإيران أن تحرز تقدماً باتجاه تطوير ترسانتها النووية، دونما اتفاق دولي على وسيلة للسيطرة على برنامج الطاقة النووية التي تنشط فيها الآن، فإنه ينبغي لجيرانها الإقليميين تطوير قدرات عسكرية موازية، أكثر قوة مما هي عليه الآن. وبالنظر إلى مجموعة الدول الخليجية، فإن ذلك يعني تعزيز قدراتها الدفاعية، إلى جانب توطيد علاقاتها أكثر مع الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك ضرورة أن يؤدي حلف "الناتو"، دوراً دفاعياً محدداً فيها. أما بالنسبة لدول المنطقة الأخرى، فإن الاستجابة تتطلب تبني عدد من المشروعات الدفاعية الفردية، الموجهة جميعها، للاحتراز من الخطر الأمني الإيراني. وتأتي هذه التطورات في وقت ازداد فيه حجم الإنفاق الدفاعي في المنطقة، بينما تفوقت دول الجوار على إيران في حجم هذا الإنفاق. وتشير أحدث المعلومات الإحصائية الصادرة عن "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" بشأن الموازنة العسكرية لعام 2007، إلى أن الإنفاق الدفاعي الإيراني قد ارتفع خلال العام الماضي، ليصل إلى 6.6 مليار دولار. إلا أن حجم الإنفاق الدفاعي نفسه، في دول الجوار المعادية لها، قد شهد ارتفاعاً هو الآخر. وعلى سبيل المثال، فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري لإسرائيل في عام 2006، نحو 10 مليارات دولار، بينما أنفقت تركيا 11.5 مليار دولار مع ملاحظة أن الأرقام الإسرائيلية والتركية لا تتضمن المساعدات العسكرية التي تتلقاها الدولتان من الولايات المتحدة الأميركية. إلى ذلك فقد بلغ الإنفاق الدفاعي السعودي خلال العام الماضي نفسه، 26.9 مليار دولار، في حين بلغ حجم الإنفاق نفسه، لكل من البحرين وقطر والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة، ما مجموعه 13.2 مليار دولار. وهكذا تجد إيران نفسها محاطة بدول جوار منافسة لها في المجال الدفاعي العسكري، بل وتعمل كل واحدة منها، على تعزيز قدراتها الدفاعية، إلى جانب توطيد علاقاتها أكثر فأكثر مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تزال حتى الآن، تحتفظ بالحضور الأقوى عسكرياً في منطقة الخليج العربي. أما فيما يتعلق بالأسلحة الثقيلة، فإن لإسرائيل ابتكاراتها الحربية في هذا المجال، بما فيها ترسانة صواريخ "أريحا" أرض- أرض، القادرة على إصابة أهداف داخل العمق الإيراني، إلى جانب قدرتها على حمل الرؤوس النووية. وليس ذلك فحسب، بل لقد طورت تل أبيب نظام The Arrow المضاد للصواريخ، بمساعدة عسكرية أميركية. إلى ذلك، فإن للمملكة العربية السعودية، ترسانة صواريخ أرض- أرض بعيدة المدى، وصينية الصنع، إلا أنها تفتقر إلى الأسلحة النووية. ولذلك فإن الاستجابة السعودية المتوقعة لنمو الخطر النووي الإيراني هذا، إما بواسطة تعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية الحالية، أو عن طريق إبرام اتفاقية دفاعية سواء مع الولايات المتحدة الأميركية، أو مع باكستان، بحيث تؤمن لها ضماناً لدفاع نووي عنها، في حال بروز خطر نووي جدي واضح على أمنها من قبل إيران. أما تركيا ومصر، فليس مستبعداً أن تقررا بناء ترسانة نووية خاصة بكل منهما، على رغم التكلفة المالية الباهظة لخطوة كهذه. وفيما مضى فقد كانت تركيا تعول على حلف "الناتو" في الدفاع عن أمنها القومي، ضد الخطر النووي السوفييتي عليها، طوال حقبة الحرب الباردة. لكن وفيما لو لم تفلح مساعيها الخاصة بالانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، بينما تواصل فتور علاقاتها الحالي مع واشنطن، فلربما تجد نفسها مضطرة إلى خيار تطوير دفاعاتها النووية الخاصة. وفي المقابل فقد ارتفعت شكوى القاهرة على امتداد عدة سنوات، من التسلح النووي الإسرائيلي، على رغم كون مصر دولة من الدول الأعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي. ولذلك فإن التزام مصر الحالي بنصوص المعاهدة المذكورة، ربما لا يدوم طويلاً، فيما لو أصبحت إيران الدولة النووية الثانية إقليمياً. وهناك في القاهرة من ظل يجادل على مدى عدة سنوات، في معنى عضوية مصر في المعاهدة المذكورة. لذلك وفيما لو تسلحت إيران نووياً، فإن من شأن خطوة كهذه أن تدفع القاهرة باتجاه إعادة النظر في امتناعها النووي الحالي. وهكذا تدفع طهران بسباق التسلح الإقليمي في المنطقة، إلى مدى جد منذر وخطير!