أسأل طفلي: ماذا تعلمت في الروضة اليوم يا حبيبي؟ تعلمنا الحروف. وأي حرف أخذت اليوم؟ أخذنا "كاف" كافر و"كاف" كلب. يكفهر وجهي: ومن قال لك "كاف" كافر؟ أسأل بحسرة: وماذا يعني كافر؟ يعني غير المسلم. أضرب أخماساً بأسداس وأقول في نفسي: وبالقياس، ربما "ألف" أسامة، و"باء" بارود، و"تاء" تفجير، و"ثاء" ثواب، و"جيم" جهاد، و"حاء" حور العين، و"خاء" خطف، و"دال" دم، و"ذال" ذبح. أقابل مشرفة الروضة في غرفة تعجّ بالمعلمات: مستحيل أن نعلم الأولاد بهذا الأسلوب، نحن لا نعلمهم الكلمات السيئة لدرجة أننا حذفنا صفحة الخنزير من المنهاج الأميركي الذي ندرسه للأطفال. أقول: الخنزير مخلوق مثله مثل أي مخلوق آخر. المعلمات يحدقن في وجهي كأنني مجنون. أردف قائلاً: ومن أين جاء طفلي بـ"كاف" كافر؟ ترد: ربما رَبَطَ بين الحرف والكلمة. ومن أين جاء بالكلمة يا سيدتي؟ تقول باعتزاز: نحن نعلمهم أن المسلم يقول كذا ويفعل كذا، ومن لا يقول ولا يفعل فهو كافر. أقول: هذا يعني أن معلمة الإنجليزي، وهي غير مسلمة، يَنظر لها الأطفال ككافرة؟ ترد: بالعكس نحن نحترم أهل الكتاب. أقول: آمنا بالله، لكن لِمَ تعلّمون الأطفال أن الذي لا يشبههم ولا يعجبهم ولا يفكر مثلهم ولا يتعبد مثلهم أو لَمْ يتشرّف بالولادة في بيتٍ لأبوين مسلمين، كافر وسيئ وربما ملعون؟ ترد: وكيف نعلمهم إذن؟ يكفي أن تعلموهم أن الإسلام دين الرحمة والتسامح دون كره للآخرين. ترد: وكيف نحببهم في الإسلام إذن؟ أقول: ألا يكتمل حب الإسلام إلا بكره الآخرين؟ تتدخل معلمة: وأين ذهب البراء من الكافرين؟ أقول: ومن هم الكافرون؟ تقول معلمة أخرى: غير المسلمين. أقول: وكيف تحترمون أهل الكتاب إذن؟ يرتفع ضغطي وأطلب لقاء صاحبة الروضة، فأقول لها: نحن هنا في الروضة، والروضة تعني الحديقة، أي مكان الورد والعشب والفراشات والعصافير، فكيف تنقلب الروضة إلى مغارة تعلمون فيها الأطفال في مجتمع يمثل غير المسلمين فيه نسبة معتبرة أن العالم ينقسم إلى فسطاطين: مسلم وكافر؟ والكافر يعني في نظر المعلمات غير المسلم، وهذا غير صحيح، وحتى لو كان صحيحاً، فليس هذا وقته، هذا أوان اللعب والضحك والحب والجمال، اتركوا الأطفال ليعيشوا طفولتهم طولاً وعرضاً. تحاول المشرفة التدخل، لكن صاحبة الروضة تسكتها، فأردف قائلاً: للأسف في هذا المكان يتشكّل الأطفال على يد معلمات لا يفقهن شيئاً ومنتهى علمهن أن غير المسلم كافر، فيجهّزن بقصد وجهل جيلاً كاملاً ليُساق بعد ذلك مثل الخروف إلى قطيع الكارهين والمتزمتين والمشوّشين الذين لابد أن يخرج من بينهم المتطرفون والمتشددون والتكفيريون. تقول صاحبة الروضة موجهةً كلامها للمشرفة: اعتبري هذا أمراً مني، علموا الأطفال الإسلام السمح، ولا داعي لعقد المقارنة بين المسلم وغير المسلم. ثم تقول لي: اطمئن فالأطفال في أيدٍ أمينة. فهل هم فعلاً في أيدٍ أمينة؟