مرةً أخرى انتصر الإيرانيون في أزمة رهائن. ومما لاشك فيه أن الزعيم الإيراني المتهكم، الذي انتهى للتو من عرضٍ جديد من عروض "سياسات فن الأداء"، بصدد الاستعداد لعرض جديد يشد إليه انتباه العالم على الساحة الدولية. ومرة أخرى، استفاد النظام في طهران استفادة كبرى من كثير من الغربيين، الذين ينظرون إلى الرهائن نظرة عاطفية، ويبحثون بشكل ما عن الأمور الأسوأ في بلدانهم، ويكررون لغة ألد أعدائهم. الواقع أن أي رهينة تظهر على التلفزيون أو شبكة الإنترنت تصبح محط اهتمام وسائل الإعلام وتركيزها. وإلى اليوم، هناك تقليد بات معروفاً وراسخاً يتمثل في: أولاً، إجراء الصحفيين لحوارات مصورة مع أسر الرهائن؛ وثانياً، البحث عن الأوشحة الصفراء (التي ترمز إلى المفقودين) في المدينة التي تنحدر منها الرهينة؛ وثالثاً، مضايقة السياسيين، ومطالبتهم بمعرفة لماذا لم يُبذل المزيد من الجهود في سبيل إطلاق سراح الرهائن. وفي غضون ذلك، إذا حدث أن تحدثت الرهينة، فإن العالم بأسره –أو وسائل الإعلام على الأقل- يتوقف عند كل كلمة تنطق بها. والواقع أن الإيرانيين تلقوا، في حالة البحارة البريطانيين الخمسة عشر الذي اعتقلوا في الثالث والعشرين من مارس الماضي، مساعدات أكبر مما كانوا يتوقعونه. فقد كان المعتقلون جميعهم يبدون وسيمين وفي مقتبل العمر؛ غير أن جميعهم بدوا تواقين إلى "الاعتراف" بأنهم كانوا في المياه الإقليمية الإيرانية. وهنا تساءلت صحيفة "ديلي ميل" اللندنية بقوة "ما الذي حل بالاسم، والرتبة، والرقم التسلسلي؟". الواقع أن بعض أسرى الحرب الأميركيين في فيتنام كانوا يتعرضون للتعذيب والتنكيل لسنوات قبل أن يُقْدموا على مساعدة العدو على تبيان وجاهة أطروحته –بل إن البعض لم يكونوا يوافقون ولو على جزء منها. أما هؤلاء البريطانيون، فيبدو أنهم كانوا يمضون وقتاً شيقاً. والحقيقة أنهم أضعَفوا كثيراً موقف حكومتهم حينما لم يجدوا حرجاً في الإدلاء بـ"اعترافاتهم". فقد تثبت التحقيقات اللاحقة اختلافات مع هذه القصة، غير أن الثابت هو أن القوات المسلحة البريطانية في أمس الحاجة اليوم إلى إعادة النظر في التدريبات التي تقدمها للجنود الذين يواجهون خطر الاعتقال من قبل العدو –وإيجاد طريق لمعاقبة الذين يهزؤون بالقوانين. وعلى ذكر القوانين، يجوز لمتسائل أن يتساءل: ماذا حل بالبحرية البريطانية؟ وكيف استطاع أحفاد السير "فرانسيس دريك" واللورد "نيلسون" أن يكونوا ضعفاء ليسمحوا للإيرانيين باحتجاز أحد مراكبهم من دون أن يطلقوا عياراً نارياً واحداً؟ مما لاشك فيه أنه ستتم الدعوة إلى بعض المحاكمات العسكرية في أعلى التراتبية العسكرية وأسفلها، وإن كان من شبه المؤكد أنها لن تتم. ولكن دعونا نعود إلى وسائل الإعلام، التي تبين أنها كانت عجينة طيِّعة بين أيدي الإيرانيين. ذلك أنه عندما أعلنت حكومة أحمدي نجاد أنه "عفا" عن الرهائن كـ"هدية للشعب البريطاني"، انساقت معظم وسائل الإعلام مع التيار الإيراني؛ حيث أعلن "توني هاريس" من قناة "سي. إن. إن"، على سبيل المثال، أن إيران "عفت" عن البريطانيين. أما في الصحافة المكتوبة، فقد تم وضع كلمة "العفو" بين علامتي تنصيص في أغلب الأوقات، كطريقة لتوضيح أن هذه الكلمة هي كلمة إيرانية، والحال أنه عندما تُنطق الكلمة في التلفزيون أو الراديو، فإن الفرق يتبدد وينتفي. نحن إذن في انتظار "العرض" الإيراني المقبل، الذي من الأرجح أن يكون جريئاً، ويستهزئ بالقانون الدولي ويخاطر بالأرواح. وإذا كانت لنا في الماضي عبرة، فأغلب الظن أن "المنتقدين" الغربيين سيصدقونه تصديقاً.