رغم سخونة الأوضاع السياسية في الخليج بسبب احتمال انفجار الأزمة الإيرانية- الأميركية حول المفاعل النووي. ورغم تزايد اعتماد دول الخليج على المظلة الأميركية والغربية للدفاع عن نفسها في حالة نشوب أي مشاكل أمنية في المنطقة، إلا أن تصاعد الانتقادات وعدم الرضا عن السياسة الأميركية في المنطقة بشكل عام والخليج بشكل خاص لا يزالان مستمرين. في الأسبوع الماضي ناقش "مجلس الأمة" الكويتي الاتفاقيات الدولية بين الكويت وعدة دول أخرى، وقد تحفظ أعضاء "مجلس الأمة" على الاتفاقية الخاصة بتسليم المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية، بين الكويت والولايات المتحدة الأميركية. وقد وجَّه أعضاء "مجلس الأمة" الذين ينتمون للتيارات الإسلامية انتقاداً قوياً للسياسة الأميركية في المنطقة. فالنائب عدنان عبدالصمد اعتبر أن: الاتفاقية من صالح أميركا وهي الدولة الوحيدة التي لم توقع هذه الاتفاقية وستلزمنا بعدم تسليم أحد إلى المحكمة الجنائية. يعني تريد منا الالتزام معها باعتبارها غير موقعة، ما قد يوجد أشخاصاً متهمين بإبادة وجرائم ضد الإنسانية، وإذا وافقنا يعني كأننا نرفض تسليم المتهمين وهذا مخل بالتزامنا أمام المحكمة الدولية. النائب الدكتور وليد الطبطبائي أكد أن هذه الاتفاقية تحمي أي أميركي من التسليم إلى المحكمة أو إلى أي جهة باستثناء الولايات المتحدة. نلاحظ ازدواجية معايير. أما النائب الإسلامي عبدالله عكاش فقد أوضح أن الولايات المتحدة الأميركية ترعى الإرهاب الدولي وتقف ضد كل مسلم. ومن جهة أخرى تجد الولايات المتحدة نفسها معرضة للانتقاد من قبل التيارات الليبرالية التي كانت تدعم واشنطن لفترة طويلة لتبنيها قضايا الإصلاح والحريات والديمقراطية. لكن ذلك الدعم تغير مع تغير السياسة الأميركية في المنطقة مؤخراً حيث تخلت الولايات المتحدة عن سياستها في فرض الديمقراطية والحرية على دول العالم الثالث وابتعدت عن دعوتها لتحديث الأنظمة العربية. ما يهم الولايات المتحدة في الخليج أساساً هو تحقيق مصالحها الاستراتيجية وهي ضمان تدفق النفط إلى الدول الصناعية، وكذلك أمن واستقرار إسرائيل. كما تحرص الولايات المتحدة على استمرار حملتها الدولية ضد الإرهاب التي ستطول حتماً أفراداً ومؤسسات وجمعيات خيرية وأحزاباً وحركات إسلامية لعبت دوراً داعماً للإرهاب الدولي. الإشكالية التي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة العربية، والخليج، هي أنها في دعوتها للديمقراطية والحكم الصالح وإجراء الانتخابات الحرة، وجدت أن الديمقراطية والانتخابات الحرة تفتح المجال إلى وصول التيارات الأصولية الإسلامية إلى سدة القرار عن طريق المجالس التشريعية المنتخبة مثل "مجلس الأمة" الكويتي والبرلمان البحريني. وهذه المجالس المنتخبة تتخذ موقفاً معادياً ليس فقط للولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، بل هي معادية للحرية والانفتاح الاقتصادي والحداثة بشكل عام. وهذه التيارات الأصولية بدأت تهاجم الثقافة في الخليج وترفض الانفتاح على الحضارات والأفكار العالمية. وتحاول قدر المستطاع الحد من الانفتاح على الآخر باسم الدين تارة، وباسم العادات والتقاليد تارة أخرى. فما حدث في مهرجان "ربيع الثقافة" البحريني ومعرض الكتاب في السعودية ومهرجان الثقافة في قطر وأخيراً معرض الكتاب في أبوظبي، حيث كانت هذه المعارض مفتوحة ولم تمنع السلطات فيها دخول أي كتاب، هذا دليل قاطع على أن دول الخليج العربية بدأت تعي اليوم بأن مكافحة الإرهاب والأصولية الإسلامية لن يكتب له النجاح في حالة التركيز على الجوانب الأمنية في مكافحة الإرهاب دون الالتفات إلى الجوانب الثقافية والتعليمية. إن مكافحة الإرهاب تتطلب قطع جذوره الفكرية، ومعنى ذلك ببساطة تغيير مناهج التعليم بما يتناسب مع روح العصر، وهذه المهمة صعبة جدا، فهي تتطلب إيمان دول الخليج بأن الديمقراطية ليست إجراء انتخابات بلدية أو تشريعية كل أربع سنوات... الديمقراطية هي أسلوب حياة وانفتاح حقيقي على العالم في كل المجالات. د. شملان يوسف العيسى