حملة الرئاسيات تدخل مرحلة "المزاد"... وإطلاق البحَّارة "رسالة" من طهران! ------------ سجال الحملة الانتخابية الفرنسية، ومحدودية هوامش الدور الأوروبي في الشرق الأوسط، ودلالات نهاية أزمة البحارة البريطانيين في إيران، موضوعات ثلاثة نستعرضها في جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. جديد حملة الرئاسيات: عكست الصحف الفرنسية حدة السجال والتراشق بالتهم بين المترشحين "الأربعة الكبار"، وهم حسب الترتيب وفق آخر استطلاع للرأي نيكولا ساركوزي، وسيغولين رويال، وفرانسوا بايرو، وجان ماري لوبن. صحيفة لوموند أبرزت تصريحات مرشح "الوسط" فرانسوا بايرو، التي اتهم فيها ساركوزي ورويال بأنهما باتا يمتطيان في حملتهما صهوة "خطابة المزايدة"، قائلاً في مهرجان محموم بـ"باستيا" في جزيرة كورسيكا، أول من أمس: "في الوقت الذي دخلتْ فيه الحملة لحظة حرجة بعض الشيء، أصبحنا نسمع تصريحات لا تخلو من مفاجأة، ومع ذلك سنحاول نحن الحفاظ على توازننا". مضيفاً: "إنني أريد أن يتوقف هذا المزاد الذي انخرط فيها منافساي"، غامزاً في قناة عدم شعبية المرشح- وزير الداخلية السابق: "إن بعض المرشحين لا يستطيعون التحرك دون أن توفر لهم الشرطة حماية محسوسة، وينتقون الأماكن التي يتوجهون إليها بعناية". يذكر أن صحيفة لوموند خصصتت افتتاحية لنقد وزير الداخلية السابق ساركوزي، نشرتها قبل هجوم "بايرو" بقليل، وجاءت بعنوان: "نظام عادل"، وقد اتهمته فيها بالنفاق، حيث خطب مؤخراً متهجماً على "خارقي القانون" بضواحي باريس، مستشهداً بأحداث الشغب بمحطة "غار دي نور" الأسبوع الماضي، متعهداً بالضرب بيد من حديد على كل من تسوِّل له نفسه التطاول على سلطة القانون وقيم الجمهورية، ولكن ساركوزي نفسه –للمفارقة: تقول لوموند- خطب مؤخراً أيضاً في مدينة لوريان معتبراً أن "البحَّارة لا يخرقون القانون، ولا يغشُّون. وهنا عندما يلجأ الناس إلى العنف فليس هدفهم التخريب ولا التدمير. وإنما يفعلون ذلك لشعورهم باليأس، والإحباط، ولشعورهم بأنه محكوم عليهم بالإعدام اقتصادياً واجتماعياً"، وكان هذا الكلام –كما هو واضح- التماساً للعذر لحادث إحراق برلمان إقليم بريتاني بمدينة رينز سنة 1994، بعد أن أطلق عليه صيادان النار. وفي مجلة لوبوان يتهجم كلود أمبرت على المرشحين جميعاً متهماً إياهم بأنهم أصبحوا أسرى حقيقيين للنمط ولبهرجة الإعلام أيضاً. أما في صحيفة ليبراسيون فيلاحظ "ماتيو ليندون" أن الرئيس الأميركي جورج بوش، بكل مخزون المشاعر السلبية التي يكنها له الفرنسيون منذ اندلاع حرب العراق، دخل هو الآخر حلبة السباق الرئاسي الفرنسي، ولسوء الحظ على أيدي كارهيه من اليسار الفرنسي، الذين أصبحوا يداومون على تشتمون مرشح اليمين ساركوزي بأنه نسخة طبق الأصل من بوش، وهم يفعلون ذلك لإدراكهم لمدى الضرر الذي يلحقه التصاق صفة الشبه ببوش بأي كان في فرنسا. ولكن الكاتب يرى أنه كان أولى باليسار الفرنسي تشبيه مرشحته هو سيغولين رويال بالرئيس بوش، وذلك لأننا لو تأملنا -يقول ليندون- نجد أن ما يجمع أطروحاتها السياسية والاجتماعية مع بوش أكثر بكثير مما يجمع غريمها مع أفكار وتوجهات سيد البيت الأبيض. أجواء تهدئة في الشرق الأوسط: تحت هذا العنوان نشر الكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر أدلر مقاله الأسبوعي في صحيفة لوفيغارو، مؤكداً أن الفترة الأخيرة شهدت تهدئة ملحوظة في التجاذب القائم في فلسطين بين حركتي "فتح" و"حماس" خاصة بعد تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية" التي يأمل العرب أن تفك الارتباط بين إيران و"حماس". وشهدت أيضاً تهدئة أخرى مشابهة بين فرفاء الأزمة اللبنانية. والقاسم المشترك بين التهدئتين هو الدور الذي لعبته الرياض في الضغط من أجلهما. كما شهد التحالف السوري- الإيراني تراجعاً أيضاً بفعل آثار قمة الرياض العربية، خاصة أن دمشق بدت فيها أكثر تفهماً لقلق العواصم العربية من تنامي التأثير الإيراني في أزمات المنطقة. أما في صحيفة لوموند فقد كتبت "ناتالي نوجايرد" مقالاً بعنوان: "الاتحاد الأوروبي... هل يستطيع لعب دور في الشرق الأوسط؟"، قالت فيه إن هذا السؤال يعود الآن إلى الواجهة بعد تزامن انعقاد القمة العربية مع تخليد الذكرى الخمسين لـ"اتفاقية روما" المنشئة للبيت الأوروبي الواحد. والواقع أن الدور الأوروبي في الشرق الأوسط ظل دائماً يصطدم بعوائق الواقع ومحدودية ما بيده من أوراق تأثير. فقد كشفت إخفاقات الدبلوماسية الأوروبية في إحداث أي اختراق في الأزمة النووية الإيرانية عن تلازم تأثير الدور الأوروبي في المنطقة مع تأثير الدور الأميركي. "فبدون الولايات المتحدة يبقى الأوروبيون صفر اليدين". ومع أن للأوروبيين منسقاً أعلى للسياسة الخارجية هو "خافيير سولانا"، إلا أن وظيفة هذا الرجل في الحقيقة فضفاضة، ومهمته غير سهلة، لان أوروبا في النهاية ليست دولة، وإنما هي مجموعة دول لكل منها موقفها الخاص، وقد كشفت طرق التعامل مع إمكانية استئناف المساعدات للفلسطينيين طرفاً من ذلك، كما كشفت ارتهان الإرادة الأوروبية عموماً للضوء الأخضر الأميركي بهذا الشأن. وفي قمة الرياض الأخيرة مع أن سولانا كان حاضراً، ومع أن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين المحيطين به قالوا إنهم سيفهِمون وزير الخارجية الأميركية، في إطار "الرباعية"، أن عليها أن تعرف أن ثمة أطرافاً أخرى غيرها، إلا أن كل ذلك لا يغيب حقيقة محدودية الدور الأوروبي في الشرق الأوسط، التي هي أمر واقع. نهاية أزمة البحَّارة: في "لو ربيبليكان لوران" كتب "فيليب فوكامب" افتتاحية قال فيها إن الطريقة التي انتهى بها احتجاز البحارة البريطانيين في إيران دلت على أن ثمة قوى براجماتية في طهران، تمكنت من التأثير على أكثر أجنحة النظام تشدداً. وكان ملفتاً هنا أن أول من غيَّر لهجة الحديث المتشددة بشأن البحارة كان علي لاريجاني... الرجل الممسك بأضابير الملف النووي الإيراني، ولهذا معناه. أما في "لابريس دي مانش" فقد جاء في افتتاحية بقلم "جان لوفالوا" أن أطرافاً سياسية في طهران يبدو أنها تعبت من المواجهات التي ما فتئ الجناح المتشدد يدخل البلاد في غمارها، وفي هذا السياق ربما تمكنت تلك الأطراف من فرض رؤيتها المعتدلة بشأن تسريع إطلاق سراح البحارة. وفي "لالزاس" كتب "فرانسوا بيسيه" أيضاً افتتاحية ركز فيها على الربط بين حلحلة الأزمة وبين توظيف ذلك لخدمة أهداف دعائية إيرانية مثلها بشكل واضح تولي علي لاريجاني لدور "التهدئة" في الأزمة. وأخيراً في صحيفة لوفيغارو كتب "بيير روسلين" افتتاحية بعنوان "إيران: فضيلة الحوار" قال فيها إن الضغوط التي تواجهها طهران بخصوص "النووي" ربما هي التي أقنعتها بأنها في غير حاجة إلى سبب آخر للمواجهة مع الغرب. لذلك آثرت تحرير البحَّارة، مع إخراج هذه العملية بطريقة يسجل من خلالها النظام الإيراني بعض النقاط لصالحه في نظر الرأي العام الغربي. ولكن لندن أيضاً –يقول روسلين- أدارت الأزمة بذكاء، فقد تصرفت بهدوء، وعبَّأت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولم تسقط في فخ المزايدات والابتزاز، وحتى إذا كانت عملية إطلاق سراح محتجز إيراني في العراق غير مرتبطة مباشرة بالأزمة، إلا أنها على كل حال ساهمت في تبريد الأجواء المشحونة بين العاصمتين. كما أن ضغوط لندن على واشنطن –المدينة لها سلفاً بوقوفها معها في حرب العراق- أدت إلى تعهد الأميركيين بالسماح للإيرانيين بزيارة محتجزيهم الخمسة في العراق. وإذا كان من درس يمكن استخلاصه من أزمة البحارة عموماً فهو أن الحوار يمكن أن يحل مشاكل بالغة التعقيد والصعوبة بين إيران والمجتمع الدولي. "وهذه دون شك هي الرسالة الأساسية التي حاولت السلطات الإيرانية إيصالها، في وقت تتزايد فيه التعزيزات البحرية الأميركية في مياه الخليج، وهي التعزيزات التي تزيد قلق الإيرانيين من احتمال توجيه عملية عسكرية". إعداد: حسن ولد المختار