العدالة الاجتماعية والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، هما ما تعهدت به "ميشال باشيليه" عندما أدت القسم الدستورية لتصبح أول رئيسة لتشيلي قبل نحو عام من الآن. غير أن فضيحة فساد، والفوضى التي تعتري نظام النقل هنا في العاصمة سانتياجو، يتصدران الأحاديث في تشيلي اليوم، وهما ما قد يهددان بإضعاف الرئيسة "باشيليه". فقد مثلت الاتهامات بالفساد داخل وكالة حكومية للرياضة، والتي طفت على السطح لأول مرة أواخر العام الماضي، هدية من السماء بالنسبة للمعارضة اليمينية الموسومة بعلاقاتها بديكتاتورية الجنرال "أوجوستو بينوشي". بيد أن السبب المباشر لمتاعب باشيليه هو نظام المترو والحافلات الجديد والمكلِّف، الذي كان يُفترض أن يكون واحداً من أحدث أنظمة النقل في العالم. وبدلاً من ذلك، يهدر المسافرون في ضواحي العاصمة التي تؤوي أكثر من ثلث سكان تشيلي البالغ عددهم 16 مليون نسمة، ساعات طوال كل يوم في الذهاب إلى أعمالهم والعودة إلى بيوتهم. وبدلاً من أن يرمز مشروع النقل بالعاصمة سانتياجو إلى رخاء تشيلي وتقدمها، بات يرمز لافتقار المسؤولين للكفاءة، ويثير السخرية من وعود "باشيليه" بقيادة حكومة تصغي وتستجيب لهموم الجمهور وانشغالاته. وكانت "باشيليه" قد أعلنت في خطاب متلفز يوم السادس والعشرين من مارس المنصرم، عن تعديل في حكومتها للمرة الثانية منذ أقل من سنة وقالت فيه: "ليس من المألوف أن يظهر رئيس أمام الشعب ويقول إن الأمور ليست على ما يرام هنا؛ غير أن ذلك هو بالضبط ما أود أن أقوله لكم اليوم بخصوص مشروع النقل في العاصمة". والحال أن اعتذار "باشيليه" يمثل بالنسبة لمنتقديها نموذجاً لما يعتبرونه واحداً من أبرز عيوب رئاستها؛ إذ يرون أنها خجولة جداً، ولا تواجه التحديات إلا بعد فوات الأوان. وفي هذا السياق، يقول "توماس دوفال"، المحلل بـ"معهد الحرية المحافظة" وهو مؤسسة بحثية محسوبة على المعارضة: "إن أسلوب زعامتها ليس تقليدياً، فهي تسعى لتلافي الصراعات وتميل إلى الهروب أكثر منها إلى مواجهة المشكلات"، مضيفاً: "إنها لا تواجه المشكلات إلا حينما تصبح في حالة قابلة للانفجار تقريباً، وتلك نقطة ضعفها". والحقيقة أن "باشيليه" لم تكن وراء مشروع النقل المتعثر الذي ورثته عن الحكومة السابقة. غير أنها تنتمي إلى حزب سلفِها نفسه، "ريكاردو لاجوس إيسكوبار"، الذي حُملت مسؤولية فشله. أما "ريكاردو لاجوس ويبار"، المتحدث باسم الحكومة وابن الرئيس السابق، فيتفق على أن أسلوب "باشيليه" في العمل ليس تقليدياً، ولكنه يرى ذلك أمراً إيجابياً: "أن يقول المرء إن الخطأ خطئي، بلغة واضحة وصريحة لا لبس فيها، فهذا مؤشر على الزعامة الحقيقية". وقد انتُخبت "باشيليه"، الاشتراكية وطبيبة الأطفال، أوائل العام الماضي، وتعهدت بإعطاء الأهمية لتوزيع عائدات النمو الاقتصادي الاستثنائي الذي حققته تشيلي منذ عودة الديمقراطية إلى البلاد عام 1990، عندما أُرغم الجنرال بينوشي على التنحي عن السلطة؛ كما وعدت بتحقيق المساواة بين الجنسين في التعيينات الحكومية. والواقع أنها وفت بما قطعته على نفسها من وعود، حيث عينت حكومة تضم في عضويتها وجوهاً جديدة، وتتميز بالتساوي بين عدد أعضائها الذكور والإناث. لكن يبدو أنها تدفع اليوم ثمناً سياسياً لأنها جلبت إلى الحكومة الكثير من المسؤولين الذين لا يفتقرون إلى التجربة فحسب، وإنما إلى القوة السياسية أيضاً. وفي هذا السياق، يقول ريكاردو يسرائيل، مدير كلية العلوم القانونية والاجتماعية بالجامعة المستقلة في تشيلي: "إن الآمال والتطلعات التي كانت وراءها باشيليه لم تتحقق لأن فريقها غير مؤهل لإدارة الشأن العام. كما أن مراكز صنع القرار لم تكن واضحة"، قبل أن يضيف: "ربما يكون ذلك مقبولاً لبعض الوقت، غير أنه لا يمكن قبوله بعد عام على وصولها إلى السلطة". واللافت أن الملاحظات نفسَها تم إبداؤها بخصوص "باشيليه"، إذ لم يسبق لها، خلافاً لسلفها، أن تحملت مسؤولية منصب انتخابي قبل فوزها في الانتخابات الرئاسية. كما لم يسبق لها أن أدارت أحد الأحزاب الأربعة المشكِّلة للائتلاف الحاكم. وقد اختيرت لإدارة مقاليد الحكم في البلاد في المقام الأول لأن استطلاعات الرأي أظهرت أنها تحظى بشعبية عالية في أوساط الناخبين الذين كانوا يعتبرونها ودودة وجديرة بالتعاطف. وقد حاولت "باشيليه" في ما يبدو إصلاح عيوب الحكومة ومكامن قصورها عندما أعلنت عن تعديل حكومي في السادس والعشرين من مارس؛ حيث أقالت وزيرها للنقل، وعينت وزراء جدد في الدفاع والعدل والطاقة والبيئة. كما أقالت إحدى صديقاتها المقربات من منصب مدير مكتبها واستبدلتها بسياسي مخضرم داهية هو "خوسي أنتونيو فييرا- جالو". ولكنها بالمقابل لا تستطيع فعل الكثير، في ما يبدو، بخصوص قضية الفساد والتحقيق الرسمي المتواصل حولها؛ حيث يُعتقد أن نحو 800000 دولار من المال العام تم تحويلها من برامج رياضية إلى حملات سياسية لمرشحين ينتمون إلى الائتلاف خلال الحكومات السابقة، وليس حكومتها. وإذا كانت "باشيليه" قد وعدت بأن حكومتها ستكون "شفافة شفافية صهريج سمك الزينة"، فإن "لوجوس ويبار" وصف هذه التجاوزات بـأنها "حالة معزولة"، معتبراً ظهورها اليوم مؤشراً على أن الديمقراطية التشيليةَ سليمة ومعافاة، إذ يقول: "لا توجد ثقافة فساد، وتشيلي ليست بلداً فاسداً. ولو كان الأمر كذلك، لما أثار الاختلاس غضب الجمهور واستياءه، ولما تم اعتقال سبعة أشخاص. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على فاعلية أداء المؤسسات في تشيلي". بيد أن "يسرائيل" المُشار إليه لم يُخفِ قلقه من تردد الحكومة في الاعتراف بوجود المشاكل، ومن أنها ربما تكون أكبر مما يُعتقد إذ يقول: "قد يمثل الفساد بالنسبة للديمقراطية التشيلية ما كانت حقوق الإنسان تمثله بالنسبة للنظام الديكتاتوري، أي كعب أخيل يتسبب للائتلاف الحكومي في فقدان التفوق الأخلاقي الذي يتمتع به". ـــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في سانتياجو - تشيلي ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"