في كل لقاء لي بالفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يفاجئ الحضور بجانب من شخصيته. لعلي هنا أقف معكم وقفة المتأمل لبعض ما جاء في خطاب سموه لدى تكريمه الفائزين بالدورة الأولى لجائزة الشيخ زايد للكتاب. وبعد هذه الوقفات تكون لي بعض الفقرات. في خطاب سموه المستفز للعربي العاقل، ذكر لنا بعض الحقائق والتي منها أن العرب جاوز تعدادهم 300 مليون نفس، وأكثر الكتب رواجاً ربما لا يجاوز الطبعة أي ما يقارب 5 آلاف نسخة. والسبب يكمن في أننا أمة لا تقرأ. فقد ذكر سموه أن معدل القراءة لدى العرب هو دقيقتين في السنة بينما المعدل هو 6 ساعات في أوروبا، لذلك فإن العرب ينتجون في كل سنة 5600 كتابٍ أما في أميركا الشمالية، فإنتاجهم هو 100 ألف كتاب، وأربعين ألف كتاب في أميركا اللاتينية. بعد هذه المقتطفات طالب سموه العرب بالتفكير الإيجابي لحل هذه المعضلة، وألا نلقي اللوم على الآخرين كما هو دأب العرب، ومن التفكير الإيجابي، تأتي هذه الجائزة التي تهدف إلى تشجيع التأليف والنشر عبر تكريمها السنوي للفائزين، ولكن ماذا عنا؟ المتأمل في كتاب الله تعالى يجد أمراً غريباً، أن أول كلمة في القرآن الكريم نزل بها الوحي الأمين لم تأمر بالصلاة أو الزكاة بل لم تتكلم عن التوحيد والإخلاص، وكذلك لم تتطرق إلى الحلال والحرام، لكنها كلمة "اقرأْ" هذه الكلمة، التي حولت البدو في الصحراء إلى صناع حضارة قادت العالم في شتى العلوم والفنون، وكان من أثر هذه الكلمة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يعتق بعض أسرى الحرب الذين يعلِّمون المسلمين القراءة والكتابة. وكان الخلفاء من بعده يكافئون بالذهب من يترجم كتباً على أصلها الأجنبي، وقد شهدت حضارة الإسلام في بغداد ودمشق وغيرها من المدن المكتبات العامة العالمية، والتي أبحرت بالكتب في ميادينها المختلفة. ولكن جرى للأمة ما جرى، وأصبحنا أمة تتكلم أكثر مما تتعلم. ومن قرأ منا، فإنما يطالع بعينة، ولا يبصر بعقله إلا من رحم الله، فمن أين نبدأ؟ المدرسة من جديد هي النقطة الثانية في كل موضوع، فأين هي حصص القراءة؟ لازلت أذكر عندما كنت تلميذاً في المدرسة حصصاً كاملة مخصصة للقراءة، وكنا فيها نطالع القصص العربية والعالمية المقررة، والتي لازلت أتذكر منها تاجر البندقية للأديب الإنجليزي شكسبير، وهي من روائعه. في مدارسنا اليوم مكتبات ولكن عليها ملاحظات، فبعض الكتب فيها لا يناسب المرحلة العمرية للتلاميذ. والأمر الثاني هو: أين الوقت المخصص للقراءة المنهجية؟ لو أننا في التربية والتعليم حذفنا بعض المواد غير الأساسية ودربنا التلاميذ على القراءة، فإننا سنقدم للعرب خدمة هي أجلُّ من حصص تُعتصر فيها المواد، وتكثف ولا يكون نصيبها بعد الامتحان إلا النسيان. فهل من عودة جادة لمنهجية القراءة والمطالعة في مدارسنا؟ الأسرة هي المسؤول الأول عن تربية نفسية القراءة، وأعترف لكم بكل صراحة بأنه ليس كل مولود محباً للمطالعة، لكن لن تخلو الأسرة من أطفال، لو نالوا حظهم من التربية والمتابعة لكانوا جيلاً مطلعاً. وتأتي مدرسة القدوة هنا في محلها، فلو أن الأبناء رأوا الأم والوالد قد خصصا جزءاً يسيراً من وقتهما للمطالعة لنشأوا كذلك. وقد كنت في غاية السعادة عند جولتي في معرض أبوظبي للكتاب عندما رأيت أسراً تتسلى بالشراء مع الأطفال، وقد رأيت تحسناً في الكتب المقدمة للطفل العربي عما كانت عليه في السابق. فبالإمكان اليوم أن تكون في بيوتنا مكتبات صغيرة مناسبة للأطفال. وفي الختام أوصي نفسي وإياكم بفكرة كتاب الأسبوع التي تتلخص في أن نقرأ أسبوعياً كتاباً واحداً فقط.