رغم ما يلاحظ من نشاطات تقوم بها هيئة الأمم المتحدة بشأن الملفات الدولية المعروضة أمامها، وما يدلي به أمينها العام ومسؤولوها الكبار من تصريحات، فإنه من الواضح أن المنظمة الدولية تمر بأزمات ومشاكل بشأن عمليات الإصلاح الجارية فيها، والتي أتى كثير منها نتيجة لضغوط دولية عليها من قبل الدول الفاعلة في النظام الدولي. وبالتأكيد فإن المشاكل التي تواجهها ليست وليدة اللحظة، بل هي مجموعة من الأسباب التي بدأت منذ السنوات الأولى لإنشاء المنظمة وتعددت لكي تكون داخلية تخص إدارة المنظمة ذاتها وخارجية تخص أعضاءها. أهم المشاكل التي تواجهها الأمم المتحدة وتترتب عليها تداعيات أخرى، هي مسألة تمويلها لممارسة فعالياتها وتنفيذ مشاريعها، سواء على الصعيد الداخلي لها، أو على صعيد المجتمع الدولي. فعلى سبيل المثال، تقوم الأمم المتحدة حالياً بصيانة وإعادة تأهيل مباني المقر الرئيسي التابع لها في نيويورك. إن هذا المشروع يحتاج إلى مليار ونصف المليار دولار أميركي، وقد تم الاتفاق بين المنظمة الدولية وأعضائها على الشروع في تنفيذه منذ مدة، وتم تعيين مدير تنفيذي له باشر مهامه منذ مدة. ولكن في الرابع من مايو 2006 أعلن المدير استقالته بسبب خلافات حادة نشبت بينه وبين لجنة الميزانية في المنظمة، التي قال إن مداولاتها المطولة بشأن مباني الأمم المتحدة أدت إلى المزيد من التأخير في صيانتها وإلى المزيد من الخسائر المادية بسبب ذلك. وقد نشبت آخر هذه الخلافات بين لجنة الشؤون المالية ومدير مشروع المباني في شهر أبريل 2006، وذلك عندما اتفقت الولايات المتحدة الأميركية مع المنظمة الدولية على تقديم 100 مليون دولار لدعم المشروع في المرحلة الثانية من تنفيذه التي تجري حالياً، ولكن بعد حوالى شهر ونصف من الاتفاقية وافقت الولايات المتحدة على الإفراج عن ربع المبلغ فقط، على أن يتم الإفراج عن بقية المبالغ لاحقاً. في ذلك الوقت شكلت الدفعة المقدمة شيئاً من الحل الوسط المؤقت، الذي قوبل بالارتياح من قبل منفذي المشروع والمشرفين عليه. ولكن مع بداية مايو 2006 صرح المدير التنفيذي للمشروع بأنه ضاق ذرعاً من استمراره في موقعه بسبب مجموعة من العوامل التي تعمل مع بعضها بعضاً في عرقلة المشروع، بما في ذلك فقدان دعم بعض الممولين الرئيسيين للمشروع بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهه من قبل الدوائر المسؤولة في داخل الأمم المتحدة ذاتها والممارسات البيروقراطية، التي يقوم بها بعض كبار موظفيها. تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن مباني الأمم المتحدة الحالية في مدينة نيويورك، بما في ذلك مبنيي البرج متعدد الطوابق والقبة المائلة التي تجتمع تحت سقفها الجمعية العامة، بنيتا قبل ما يزيد على الخمسين عاماً، وتعتبران أحد معالم نيويورك المشهورة. ولكن جودة بناء هذه المباني مشكوك فيها، فهي تحتوي على نسب كبيرة من مادة الأسبست الخطيرة على الصحة والقابلة للتآكل والتصدع، ويقال أيضاً إن نظام الإنذار ضد الحرائق في المبنى الرئيسي متعطلة، وبناءها الأساسية آخذة في التفسخ السريع، إن هذه العيوب الرئيسية في أصل قيام المبنى تجعل من تنفيذ الصيانة أمراً صعباً. إن سوْق مثال حول مباني الأمم المتحدة يعطينا صورة قاتمة للوضع المالي لهذه المنظمة، التي يعتبر وجودها واستمرارها شأناً ضرورياً لاستتباب الأمن والسلم الدوليين. فإذا ما كانت عاجزة عن صيانة السقف الذي يأويها، فإنه سينهار على رؤوس أعضائها. وكما ذكرت، فإن مشكلة الأمم المتحدة الأساسية هي مشكلة مالية، فإذا ما توفرت الموارد المالية فإن المنظمة ستكون أكثر قدرة على تنفيذ مشاريعها أياً كانت. وهذه المشكلة الأساسية ليست في يد المنظمة ذاتها ككيان، وإنما هي بيد أعضائها مجتمعين، وإذا ما قام كل عضو بدفع مساهمته السنوية، وقام الأعضاء الكبار بدعم ذلك بقوة، فإن الأمم المتحدة ستحقق العديد من الأهداف التي أنشئت من أجلها.