ذكرنا أمس، أن مسح إنفاق ودخل الأسرة الذي يجري تنفيذه هذه الأيام، سيسهم في رسم صورة واضحة لأنماط وأنواع الإنفاق الاستهلاكي، وتبيان متوسطات إنفاق الأسرة والأفراد على السلع والخدمات المختلفة، والوقوف على العوامل المؤثرة في ذلك، كالتعليم والجنسية والحالة الاجتماعية وتوفير الأوزان التي تعكس الأهمية النسبية لبنود الإنفاق المختلفة التي تستخدم في بناء الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين، وقياس معدلات التضخم. إلا أن في الفترة الطويلة التي يستغرقها هذا المسح، حيث لا يتوقع أن تظهر نتائجه النهائية قبل النصف الثاني من العام المقبل، ما يطرح تساؤلات مهمة حول طبيعة الأوضاع المعيشية، والمعالجات المُنتظرَة خلال هذه الفترة الطويلة، بينما يظل الارتفاع المستمر في الأسعار، والزيادات المستمرة في إيجارات المساكن، والزيادة في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، تشكل ضغوطاً متنامية على الأُسَر الإماراتية محدودة الدخل، حيث يعتمد 70% من هذه الأُسَر اعتماداً كلياً على الرواتب والأجور كمصدر وحيد للدخل، بحسب دراسة لـ"غرفة تجارة وصناعة أبوظبي" بهذا الخصوص. إن استمرار هذا الوضع يؤدي باستمرار إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية لا تقف حدودها على مستوى الأفراد، بعد أن رصدت وسائل الإعلام المحلية مؤخراً زيادة حالات "المضربين عن الزواج" من الشباب، مع تضاعف الالتزامات المترتبة على تكوين عائلة، خاصة أن المؤشرات كلها تنبئ باستمرار زيادة الأسعار في ظل محدودية المداخيل، كما أصبحت متغيرات الحياة العصرية عاملاً آخر يضغط بدوره على كثير من الأُسَر، بعد أن تحوّل كثير من الأشياء التي كانت تعدّ من (الكماليات) إلى (ضروريات) لا يمكن الاستغناء عنها. إن ارتفاع تكاليف المعيشة يؤثر بشكل سلبي في الأُسَر، ويؤدي إلى ارتفاع نفقاتها بنسب تقدرها بعض الجهات بنحو 30- 40% خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يجعل من عملية التوازن ما بين الدخل والإنفاق أمراً صعباً بالنسبة إلى العديد من الأُسَر التي تدخل بمعدلات كبيرة في دائرة الفقر، في ظل انخفاض القدرة الشرائية للفرد والأسرة، والزيادات المتلاحقة في تكلفة المعيشة مقرونة بثبات الأجور، خاصة في القطاع الخاص، الذي يمثل الأمل الوحيد لامتصاص الأعداد المتزايدة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل خلال المرحلة المقبلة، وارتفاع نسبة الفئة غير المنتجة في المجتمع، ومنهم صغار وكبار السنّ الذين هم خارج قوة العمل. وهناك تحديات أخرى يمكن أن تفاقم من مشكلة الفقر خلال الفترة المقبلة، تقتضيها موجة الإصلاح الاقتصادي، التي تؤكد المتغيرات الاقتصادية العالمية أنه لا مفرّ منها، والتحوّل من القطاع العام إلى القطاع الخاص، والاتجاه من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد مفتوح، والتخلص من اقتصاد مرتهن بالنفط إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية، إذ إن هذه الإصلاحات لن تخلو من تكلفة اجتماعية، يأتي في خضمّها اتجاه الدولة لخصخصة قطاعات المياه والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار خدمات حيوية للمستهلك، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، وتوسيع دائرة الفقر، حيث يصبح تحديد خط الفقر الوطني ضرورياً لقياس التغييرات التي تدخل على حجم الظاهرة في المجتمع، وصياغة نظام ضمان اجتماعي وطني أكثر شمولاً وعدلاً، وصياغة سياسة اقتصادية عادلة وواقعية تتناسب مع توزع الدخل، واحتياجات التنمية، وحقوق وواجبات المواطنة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية