تتعانق الجبال مع السهول التي تجرفك نحو رمال الشواطئ الناعمة الجميلة الممتدة طويلاً، يمتد الساحل لأكثر من ألف كيلومتر، البحر العميق يحاذيك، والجبال في سيرك توازيك، زرقة البحر من أمامك، وخضرة أشجار الموز والبابايا وجوز الهند تشعرك بأنك في جنة ليست موجودة على الأرض. لكنك في صلالة عاصمة ظفار الجنوبية المحاذية للحدود اليمنية، دفء وهدوء ورطوبة وبحر على الساحل، ونسيم لا يخلو من لسعة باردة في الليل على بعد دقائق في الجبال... الطبيعة في هذه الولاية العُمانية غير موجودة في أي مكان آخر في الوطن العربي، درجة الحرارة لا تتغير صيفاً وشتاء، صيفاً على وشك الانتهاء بعد أسابيع ليبدأ الشتاء الدافئ المطير الذي يحول الجبال والسهول إلى سواد من شدة اخضرارها... في الجبال مناظر خلابة، وقرى تتردد فيها لغات حميرية قديمة، الشحري والمهري والحرسوسي سمة لغوية ومفخرة وطنية، ثروة لم تتلاش أمام زحف الطرقات المعبدة التي وصلت إلى قرى نائية في الجبال، كانت هذه القرى تعج بالأمراض والجهل حتى وقت قريب. تصل الكهرباء لكل قرية في منافي الجبال في بلد شحيح الإمكانيات، وفير المثابرة والإصرار، سخّر الإنسان العماني إرادته وكل ما لديه لخدمة عُمان وتطورها... الأمية على وشك التلاشي في السلطنة كلها، المدارس وصلت إلى كل مكان، النائي من القرى أصبح قريباً بفضل الطرقات والهواتف والتعليم.. الهدوء والصبر سمة عُمانية، بل يقال إن الصبر ولد في عُمان، في مكان قريب يوجد قبر سيدنا أيوب –رمز الصبر والتحمل. الصبر يلازم الأمل، والأمل يقترن بالإيمان بالقدرة على تحقيق الطموح، ترى الأمل يشعشع في وجوه العُمانيين الذين يعملون دون ترفع مهما كانت نوعية العمل- العمل عبادة، قيم العمل والحث عليه يرفدها برنامج وطني اسمه "سند"، يساعد الشباب ويخلق لهم فرص عمل ويقرضهم لتحقيق آمالهم، إنه إحدى قنوات الأمل التي يبدع العُمانيون في خلقها... تلازم الشخصية العُمانية تواضع الكبار، وكرم طيء، وضيافة يعرُبية تلقائية، يتلقفنا من لا يعرفنا، ويصر على استضافتنا، وتجد الفقير مادياً غنياً بما يقدمه لك، "نص الجود، كلمة مرحبا". نغبط الشعوب المتحضرة، نقيس حضارتها بمدى التزام أهلها بالقانون، نعتقد بأننا جميعاً متخلفون لأننا لا نلتزم بالقوانين، نسن أجمل القوانين ولا نحترمها، تعج دساتيرنا بالمواد التي تشدد على احترام القانون والالتزام به، تزور عُمان فتبتهج حضارياً، تعايش شعباً عربياً حضارياً ملتزماً بالقانون، تردد مع نفسك، من قال إننا جميعاً متخلفون، عُمان نموذج للحضارة بالالتزام بالقانون... تتابع جولة السلطان قابوس السنوية بين الولايات على التلفزيون، يجلس في مقعد السيارة الخلفي، يربط حزام الأمان، تتذكر المشهد حين طلب السائق من أحدنا بأدب جم أن يربط حزامه... يتوقف السائق ليرد على مكالمة هاتفية، لم يكن يحمل سماعة عن بعد لهاتفه النقال الذي يعاقب القانون على استخدامه أثناء القيادة. الحكم الرشيد يتطلب سيادة القانون، تستمد القوانين قوتها من تطبيقها، في عُمان يبدأ تطبيق القوانين على من سنها.. المنتجعات والفنادق في صلالة مكتظة بالزوار والسياح ورجال الأعمال على مدار العام، هناك حاجة لمزيد من الفنادق. المستثمرون قادمون، والفنادق في ازدياد، والأسواق والمنطقة الحُرة، وأكبر موانئ المنطقة، وما هذه إلا البدايات... الاستقرار والشفافية والأمان، ضمان الاستثمار، ورأس المال الجبان، سيجد في عُمان طمأنينة وأمناً... في صلالة، تتنفس هواءً نقياً، وترفل في ضيافة نادرة، وهدوء واستقرار يبعث على الطمأنينة في النفس... تكاد تظن أن مثل هذه الأماكن في مفقودة عالمنا، لكني كنت في صلالة، وعالمنا لم تعُد فيه صلال كثيرة.