"جيمس مان" مؤلف هذا الكتاب هو صحفي متميز مهتم بالشأن الصيني يعمل في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" وهو مؤلف الكتاب الشهير "الدوران إلى الخلف" الصادر عام 1999، والذي تناول فيه الطريق المتعرج الذي مرت به العلاقات أميركا مع الصين، منذ أن اتخذ الرئيس نيكسون قراراً بفتح باب الاتصالات مع حكومتها الشيوعية، وهو كذلك مؤلف الكتاب الرائع "صعود آلهة النار" الصادر عام 2004 والذي كشف فيه النقاب عن الآليات الداخلية التي يعمل بها مجلس وزراء جورج بوش. أما في كتابه الذي نعرضه في هذه المساحة، وهو "الوهم الصيني: كيف يمكن لقادتنا تبرير القمع في الصين"، فإن "جيمس مان" يبدو لنا فيه في صورة المجادل الصعب المراس. وهو يستهدف بجدله كافة صناع السياسة الأميركيين الذين يتلقون المساعدة من قبل رجال الأعمال، وكذلك المصالح الكبرى ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات، التي باعت للشعب الأميركي قائمة طويلة من الأوهام. ويوجه "مان" اتهاماً صريحاً إلى النخبة الأميركية مؤداه أنها ومنذ اليوم الذي قام فيه "نيكسون" برحلته التاريخية إلى الصين عام 1972، دأبت على تسويق عدد من الأوهام الخطيرة والمضللة؛ منها مثلاً ما كانت تقوله في معرض تبرير علاقاتها مع ذلك النظام من أنها تعترف بأن النظام الصيني سلطوي، وأنها تتعامل معه رغم ذلك لأنها تعرف أنه لن يستمر طويلاً. وفي السنوات الأخيرة، وبعد أن نما الاقتصاد الصيني بسرعة مذهلة، فإن تلك النخبة دأبت على ترويج فكرة مؤداها أنه طالما أن النظام الصيني قد قبل بآليات السوق، فمعنى ذلك أن الديمقراطية قادمة لا محالة للصين، وأن على الجميع أن يصبروا قليلاً وسيرون أن تنبؤاتها في ذلك صادقة. يقول الكاتب إن ما تقوله الإدارة الأميركية يمكن أن يحدث فعلاً، ولكن ليس بالضرورة بنفس الصورة التي يرسمها سيناريو الإدارة الأميركية والذي يقوم على أنه في نقطة معينة من الزمن -قريبة على الأرجح- فإن تطور الصين الاقتصادي الدراماتيكي لابد أن يقود إلى الديمقراطية لأنه سيؤدي إلى نمو الطبقة الوسطى التي ستطالب بمزيد من الحريات والحقوق التي لابد أن ترضخ لها السلطات حتى لو أبدت قدراً من الممانعة لأن النخبة السياسية الصينية، والحزب الشيوعي الصيني، ليسا بالقوة التي يبدوان عليها، وأن المطالب الداخلية والضغوط الخارجية إذا ما تخلى القائمون بها عن التعامل مع الصين بقفازات حريرية، فإن تلك السلطة ستنهار كما انهارت في مرات كثيرة من التاريخ. ويمضي السيناريو الأميركي إلى القول إن الخوف من الفوضى والحرب الأهلية اللتين تعقبان انهيار السلطات القمعية عادة، هو الذي يدفع الكثير من الجهات الصينية المتضررة من سلطوية الحزب وقمعيته، إلى مطالبة المنتقدين الخارجيين بتخفيف الضغوط التي يمارسونها على الصين بخصوص ملفها الخاص بانتهاك حقوق الإنسان، لأنها تخشى أن تبدو وكأنها تستقوي بالخارج، علاوة على أن تلك الضغوط ستدفع السلطات الصينية إلى مزيد من العناد والتخندق. ويعرب المؤلف عن غضبه من مثل هذا السيناريو وغيره ويذهب في التعبير عن غضبه إلى حد وصف من يتبنونه في الولايات المتحدة بأنهم طائفة من رجال الأعمال حسني النويا والخائفين على استثماراتهم في الصين، والذين لا يريدون إثارة المشكلات حتى لا يؤثر ذلك على تلك الاستثمارات، حتى لو كان ثمن ذلك هو استمرار معاناة وقمع وتكميم أفواه الشعب الصيني. ويطرح المؤلف في كتابه العديد من الأسئلة المُحرجة والمهمة منها على سبيل المثال: ما ذا لو كان هناك طريق ثالث بين الديمقراطية الكاملة وانهيار النظام السياسي الصيني؟ ماذا لو كان هذا البديل هو إحياء دولة الحزب الواحد بكل ما تحتوي عليه من أجهزة تحكّمٍ وسيطرة وقمع؟ وفي عصر أصبح من الممكن فيه للرأسماليين الانضمام للحزب الشيوعي الصيني الذي بناه "ماو تسي تونج"، وتمكن فيه الشيوعيون الصينيون من إثبات براعتهم الفائقة في تغيير جلودهم حسب مقتضيات المرحلة، كيف ستتصرف الولايات المتحدة إذا ما ظلت الصين -الأكثر ثراء وقوة- دولة سلطوية كما هي عليه الآن خلال 20 أو 30 سنة قادمة؟ وماذا سيحدث إذا ما قررت الطبقة الوسطى في الصين -كما حدث إبان الفترة النازية- تفضيل الاستقرار والرخاء على الديمقراطية؟ وبعد أن طرح المؤلف تلك الأسئلة، راح يحذر -وإن لم يصل في ذلك إلى حد تبني وجهة نظر بعض الدوائر التي تقرع الآن أجراس الإنذار في واشنطن محذرة من أن الصين ستتحدى الولايات المتحدة عسكرياً في المستقبل القريب- من أن الخطورة تكمن في أن الصين غير الديمقراطية ستمثل خطراً على نفسها وشعبها وخطراً لا يقل جسامة على العالم، لأن نظامها السلطوي سيستمر في تقديم الدعم للأنظمة المكروهة مثلما يقوم اليوم بتقديم الدعم لنظام روبرت موجابي في زيمبابوي. والشيء الذي يزعج المؤلف غاية الإزعاج هو أن يتم خداع الشعب الأميركي ذاته بواسطة حفنة من رجال الأعمال من أصحاب الاستثمارات الهائلة في الصين. ربما سيضطر العالم إلى الانتظار طويلاً حتى يعرف إجابات بعض الأسئلة التي طرحها "مان" في كتابه، بيد أن ما يحسب له أنه قدم لنا رؤية معمقه عن واقع الصين، وأيضاً عن مستقبلها الذي لاشك أنه ستكون له أصداؤه العميقة في أنحاء مختلفة من العالم. سعيد كامل الكتاب: الوهم الصيني: كيف يمكن لقادتنا تبرير القمع الصيني المؤلف: جيمس مان الناشر: فايكينج أدالت تاريخ النشر: 2007