يصل بنا الحديث عن الهوية الوطنية، إلى المناهج الدراسية التي تمثل جوهر التعليم، لأنها تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في تشكيل الهوية الوطنية من خلال بناء وإعداد الإنسان وتكوين شخصيته المتكاملة بأبعادها المختلفة، الروحية والسلوكية والجسمية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وشخصية المجتمع والأمة وفق ثقافة وتقاليد وقيم وثوابت الأمة خاصة في هذه المرحلة، مرحلة العولمة والتحولات الكبيرة، مرحلة الانفتاح الواسع على مجتمعات العالم وبالأخص الغربية. هذه المرحلة شديدة التأثير إذ تحمل في داخلها العديد من المتغيرات الفكرية والتناقضات الاجتماعية التي تصطدم بقيمنا العربية والإسلامية، خاصة بعد أن أصبح الإعلام يلعب دوراً مؤثراً في نقلها وتوجيهها. من هنا تأتي أهمية دور المناهج التي خصص لها البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة المنعقدة في الرياض، مساحة مهمة عندما أشار إلى ضرورة تحصين الهوية العربية وتعزيزها وإعطاء أولوية قصوى لتطوير التعليم ومناهجه في العالم العربي. هناك العديد من الأسئلة التي ينبغي التوقف عندها والإجابة عليها بوضوح، أهمها: هل نجحت مناهجنا في اجتياز حالة الانفتاح؟ هل تمكنت من تحصين عقل الطالب العربي من خطورة هذه المتغيرات والتناقضات التي صاحبت الانفتاح والعولمة وتأثيراتهما على الهوية الوطنية؟ هل عززت ورسخت عند الطالب الإماراتي، مسألة الولاء والانتماء والوطنية؟ هل أوجدت مجموعة المعارف والأفكار والمهارات والخبرات التي يتعلمها الطالب في المدرسة، مناعة فكرية ضد فلسفة الشك والإلحاد والتحرر والشذوذ والانفلات... التي تجتاح العالم اليوم؟ هل تمكنت من صناعة منهج محلي وطني مستقل يحقق معادلة التفوق العلمي والتقني، في ظل التنافس العالمي شديد الحدة؟ أسئلة كثيرة ومتعددة يمكن أن تطرح حول هذا الموضوع، لكني سأكتفي ببعض الملاحظات أهمها؛ أن مناهجنا الوطنية لا زالت تعاني من موضوع الاعتماد على الاستيراد (قص ولصق) وتأثير الخبراء الأجانب. لا زالت غير قادرة على هضم المتغيرات العلمية والفكرية وتحويلها إلى منتوج محلي مستقل، رغم وجود عدد كبير من الخبرات التربوية الوطنية ممن لديهم القدرة على تحقيق معادلة التفوق. والأهم أن المناهج التعليمية في معظم الدول العربية، أصبحت بعد الحادي عشر من سبتمبر، ضمن مخطط الاستهداف الغربي والضغوط الخارجية التي تسعى إلى "تغريب" التعليم، بحيث يتوافق مع فكر الأمركة الذي أصبح يغزو العالم. هناك أيضاً مناهج التعليم الخاص، وبالأخص التعليم الأجنبي (البريطاني، الأميركي، الفرنسي) الذي تعتمده غالبية المدارس الأجنبية والعديد من المدارس الخاصة، وقد أصبح ينافس التعليم الوطني وبات يحتل مساحة كبيرة من رقعة التعليم في الدولة، ويتعلم فيه عدد كبير من الطلاب المواطنين. هذا النوع من التعليم يتجه الآن في ظل العولمة والتوسع الثقافي الغربي، إلى التأثير على الهوية الوطنية والانتماء الوطني والتأثير على اتجاهات التعليم الوطني الذي يحاول تعزيز الهوية والانتماء للوطن، خاصة في المدارس التي لا يتم فيها تدريس التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، ويتعلم فيها الطالب فقط تاريخ وجغرافيا الدول التي تصدر منها هذه المناهج. ثم إن العديد من التجاوزات التي حدثت في السنوات الأخيرة، كشفت لنا بدقة وضوح هذا التوجه الذي نشير إليه، أهمها اكتشاف مواد دراسية كانت تتضمن تشويهاً للعقيدة الإسلامية، ومساً بالشخصية العربية، وأخرى تروج لبعض القيم التي تتناقض كلياً مع قيم المجتمع، وثالثة تروج للتطبيع. ويكفي هنا للتدليل على عمق هذا التأثير أن أشير إلى ما جاء في رسالة جندي أميركي في العراق إلى زوجته، حيث لخص لها عمق خطورة المضمون الذي ترتكز عليه غالبية هذه المناهج عندما قال: "أكتب لك من بلاد ما بين النهرين، تلك البلاد التي لم أكن أنا وأنت قد تعرفنا عليها من قبل، لأننا نتاج النظام التعليمي الأميركي الذي يبرمجنا لنكون في خدمة الحضارة الرأسمالية التي تقودها بلادنا، لذا فنحن ندرس ونتعلم فقط ما ينفع هذه الحضارة"!