قوبل السلام العربي المقدم على طبق من الذهب المصفى بالرفض من قبل إسرائيل فور اعتماده من القمة العربية التاسع عشرة التي انعقدت في الرياض منذ أكثر من أسبوع، وهي الطرف المقصود بهذه المبادرة التي مضى على إطلاقها قرابة خمس سنوات بعد ولادتها في قمة بيروت 2002. يبدو أن السلام الذي يرضي إسرائيل وهي الطرف الأعند في هذه المعادلة المُعقدة لن يأتي إلا بفرض الحرب، لأن الاتفاقات لم تعد تجدي نفعاً منذ انطلاق قطار السلام في "أوسلو 1" بعد موتها ومن ثم إحيائها في "أوسلو 2" وإدراجها ضمن استراتيجيات الجامعة العربية بعد ذلك. هذا السلام الإسرائيلي له مواصفات ومقاييس لا تتماشى مع المنصوص عليه في بنود المبادرة العربية للسلام، التي تعد سابقة وفرصة لن تتكرر لإسرائيل إذا لم تقبل بالجلوس والتحاور حولها لدفعها نحو إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، ليس على مستوى الداخل الفلسطيني، بل على مستوى كل دولة عربية على حدة وفقاً لمصالحها الذاتية وشبكة علاقاتها مع العالم الخارجي، وتعد إسرائيل من جملتها على المدى البعيد. والمتتبع لمجريات الأحداث في العالم العربي بعد إطلاق المبادرة السلمية، يلاحظ عودة الحديث إلى الشارع حول ضرورة الرجوع للسلاح من جديد وتقوية الجيوش العربية لفرض السلام بالقوة، كجزء ملازم لاستحقاقات الندية في التوصل إلى السلام بحروب جديدة، كما فرض ذلك في الحروب العالمية وما تفرع منها في جميع أنحاء العالم المتقدم والمتخلف بنفس الدرجة. فإسرائيل غير قادرة على الخروج من العقلية الحربية وعباءتها الغليظة التي بدأت بها إنشاء الدولة الإسرائيلية، المغروسة في قلب العالم العربي بحكم القوة الحربية الساحقة والردع النووي لكل من يتجرأ على تقوية جيوشه لصالح الهدف نفسه ألا وهو إرساء دعائم السلام في الشرق الأوسط كامتداد للسلم العالمي. لقد وصل القادة العرب في قمتهم بالرياض إلى الإجماع حول ضرورة التوصل إلى هذا السلام البعيد عن فروض القوة والشروط الفوقية والتعجيزية لإزالة الموانع والسدود من منابع المياه الجافة. إن القمة العربية الأخيرة وضعت العالم المتقدم أمام تحمل مسؤولية المرحلة التي لا تحتمل المزيد من التصعيد أو التلويح بالقوة. ولقد آن الأوان للجلوس فرادى أو جماعات حول طاولة المفاوضات للوصول إلى السلام البعيد عن لغة الحروب التي أدت إلى ضياع أثمن الفرص لإحلال السلام ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل العالم أجمع، لأن التنازل عن هذا المطلب لكون إسرائيل تريد فرض شروطها على الجميع وليس على العرب وحدهم، أمر لا يمت إلى شرط العدالة بصلة. والتحدي الذي يجب أن تواجهه إسرائيل في أثره السياسي البعيد، عالمي اللغة وليس محلي الصنعة. فالعرب لأول مرة في تاريخهم السياسي المعاصر يلقون بثقلهم أمام المجتمع الدولي لكي يقوم بواجبه تجاه تحقيق السلام المرغوب فيه وتحويله إلى حقيقة يتم التعايش معها، بدل البقاء في دائرة الرغبات والنوازع والأماني والطموحات، التي تتبخر كلما انطلقت شظية طائشة من كلا طرفي الصراع. وعليه، فإن السلام الإسرائيلي يصعب تحقيقه على المدى القريب، ما لم يتم توافر جهود كافة الأطراف الدولية للدخول كعناصر فاعلة وفارضة لقراراتها على الجانب الذي يبالغ في عناده وهو إسرائيل، مع أنها المستفيد الأكبر من العملية السلمية التي تعد سياجاً مجانياً للحفاظ على أمن إسرائيل حتى بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة لا تملك حق الدفاع عن نفسها إذا أرادت، لأن نزع السلاح منها شرط رئيس لحسن قيامها لدى إسرائيل المدججة بكل أنواع السلاح التي لم تخطر بعد على بال البشر.