إنني أتفق تماماً مع ما دعا إليه زميلي "لي هاملتون" من خلال مقال للرأي نشر له بتاريخ 25 مارس المنصرم، من ضرورة بناء شراكة سياسية حول العراق. وكان القصد الذي دعا إليه هاملتون، هو توحيد وتضافر الجهود السياسية الأميركية من أجل العمل المشترك في العراق. وقد أصاب هاملتون في قوله إنه ربما يخيب المسعى الأميركي كله الذي بذل هناك، ما لم يتوصل كل من الرئيس بوش والكونجرس إلى إجماع قومي بشأن العراق، خلال الأشهر القليلة المقبلة. لكن للأسف، أننا لا نزال أبعد ما نكون عن التوصل إلى إجماع سياسي بهذا المعنى، على رغم مضي ما يزيد على المئة يوم على صدور التقرير النهائي لـ"مجموعة دراسة العراق". وما التصويت الذي جرى مؤخراً في كل من مجلسي النواب والشيوخ، سوى تأكيد على استمرار الشروخ والخلافات السياسية الداخية الأميركية حول العراق، على رغم ما لهذه القضية من أهمية حاسمة بالنسبة لمستقبل بلادنا. على أن التوصيات المُضمنة في تقرير "مجموعة دراسة العراق"، لا تزال تمثل الطريق الأمثل، إن لم يكن الوحيد، لتحقيق إجماع قومي ما بين الكونجرس والرئيس بوش، لكونها توصيات صادرة عن إجماع ثنائي حزبي. يذكر هنا أن "مجموعة دراسة العراق"، قد ضمت في عضويتها خمسة "ديمقراطيين" وخمسة "جمهوريين"، يتمتع كل واحد منهم برؤى وإرادة سياسية قوية. لكن على رغم ذلك، فقد تمكنت المجموعة من جمع كلمتها على 79 توصية، اقترحنا تنفيذها على أساس وحدتها وكليتها معاً. ولا يزال في وسع قادتنا استخدام التوصيات هذه، أداة لتوحيد بلانا كلها وراء واحدة من أعقد مشكلات السياسة الخارجية التي تواجهها الآن. يذكر أيضاً أن تقرير المجموعة لم يحدد جدولاً زمنياً لانسحاب قواتنا، على نحو ما فهم من تشريعات الميزانية التكميلية التي أجازها مجلس الشيوخ. وللحقيقة، فقد اعترض التقرير صراحة على هذا النهج. وكما علمنا من عدد من القادة السياسيين والعسكريين، فإن تحديد جدول زمني اعتباطي لانسحابنا، سيمكن العدو من التربص إلى حين اللحظة التي نغادر فيها العراق، ليقوي شوكته ويكثف هجماته على العناصر القيادية المعتدلة هناك. ولذلك فقد اجتمعت كلمتنا على أن الانسحاب السابق لأوانه وغير المدروس، سيسعّر نيران الحرب الطائفية، ما يدفع بتدهور الأوضاع الأمنية نحو الأسوأ، سواء كان ذلك داخل العراق، أم على صعيد المنطقة الشرق أوسطية بأسرها. على أن الواجب هو أن يتمحور هدف الولايات المتحدة الأميركية، حول تمكين العراقيين من التوصل إلى مصالحة وطنية سياسية جامعة، ومساعدتهم في رفع درجة فاعلية قواتهم الأمنية، حتى يتمكن العراقيون من تولي المزيد من المسؤوليات الأمنية في بلادهم. وبحسب ما نص عليه التقرير، فإن تقدماً أمنياً كهذا، سيساعد في تمكين قواتنا من الانسحاب المسؤول والمنظَّم من هناك. والسبيل الأمثل لتشجيع العراقيين وحثهم على العمل معاً، هو تقييد أدائهم الوطني بتلك المعايير التي جرى الاتفاق عليها مسبقاً بين الرئيس بوش، والكونجرس، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. و"فيما لو لم تفِ الحكومة العراقية بتلك المعايير –كما جاء في نص التقرير- فإن على الولايات المتحدة أن تخفض حجم مساعدتها السياسية والعسكرية أو الاقتصادية للحكومة العراقية". غير أننا لم نقل مطلقاً في تقريرينا، إنه تتعين صياغة هذه الفقرة في تشريع قانوني. ذلك أن التقرير لم يشر مطلقاً إلى جدول زمني محدد لانسحاب قواتنا، ما لم ترَ القيادة العسكرية أن الوضع الأمني هناك، يسمح بذلك. ومنذ صدور التقرير وحتى هذه اللحظة، فإنه لم يحدث من التطورات الملموسة على الأرض، ما يبرر تغيير تلك التوصية. بل الصحيح أن تحديد جدول زمني اعتباطي لانسحاب القوات، بصرف النظر عن تقدير الوضع الأمني هناك، أصبح اليوم عديم المعنى أكثر مما كان بالأمس، خاصة مع ما تشير إليه الزيادة المؤقتة لعدد القوات، من إحراز تقدم ملحوظ في خفض معدل العنف في العاصمة بغداد. وإن كانت تلك هي النتيجة في العاصمة، فهي حتماً تنطبق على بقية المحافظات والأنحاء العراقية الأخرى. ومن جانبها كانت "مجموعة دراسة العراق"، قد عبرت عن تأييدها لزيادة محدودة الأجل لعدد قواتنا، في سبيل بسط الأمن والاستقرار في بغداد، أو لغرض تدريب وإعداد الجنود العراقيين، فيما لو رأت القيادة العسكرية الأميركية هناك، ضرورة خطوة كهذه. يذكر أن الرئيس بوش كان قد أعلن عن خطة جديدة لـ"التقدم إلى الأمام"، في 10 يناير الماضي، تبنى فيها عملياً كثيراً من التوصيات التي قدمتها "مجموعة دراسة العراق". ومنذ ذلك التاريخ، أعلن بوش عزمه على تبني توصيات المجموعة. وتشمل خطة بوش، زيادة عدد المستشارين العسكريين الأميركيين، الملحقين بالوحدات العراقية، على أمل أن تسفر تلك الخطوة عن تمكين الحكومة العراقية من بسط سيطرتها الأمنية على كافة المحافظات بحلول شهر نوفمبر المقبل. كما وضعت الخطة، عدة معايير للأداء، وأشارت إلى ضرورة بذل الحكومة العراقية من الجهد ما يمكِّنها من تحقيق ذلك الهدف. وفي المنحى ذاته، أبدى الرئيس بوش موافقته على عقد اجتماع وزاري إقليمي، يجمع بين وزراء خارجية كافة الدول المجاورة للعراق، بما فيها سوريا وإيران، إلى جانب تمثيل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وغيرها. إلا أن الأكثر أهمية الآن، أن يتمسك الرئيس بوش بالتوصيات الواردة في تقرير "مجموعة دراسة العراق"، وأن يسعى لاستقطاب دعم الكونجرس لها. فذلك هو الطريق لتوحيد الإرادة السياسية الأميركية أولاً. جيمس بيكر وزير خارجية أسبق ورئيس مشارك لـ"مجموعة دراسة العراق" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"