قبل شهرين ماضيين، تصدى الخبير الاقتصادي، "لورانس ميشيل"، للسياسات التجارية، أثناء تقديمه لإفادته أمام لجنة خاصة تابعة لمجلس الشيوخ. وبدأ "ميشيل" حديثه قائلاً إنه ليس ضد التجارة من حيث المبدأ. وما من اقتصادي واحد معتبر، إلا ورأى عاملاً إيجابياً في المعاملات التبادلية بين الأفراد الراشدين، ناهيك عن إيجابية التبادل التجاري بين الأمم والشعوب. إلا أنه ومع ذلك، أعرب عن معارضته لإبرام المزيد من الصفقات التجارية. وعزز رأيه هذا، بدعوته إلى البحث عن نهج جديد في العولمة. وحتى يتم التوصل إلى هذا النهج، فلا بد من وقفة ما، أي لا بد من وقف عقد المزيد من الصفقات التجارية مع الدول الأجنبية. لكن وما أن أكمل "ميشيل" تقديم إفادته، حتى كان لـ"الديمقراطيين" من أنصار العولمة والصفقات التجارية، رأي آخر وخطوات أخرى مضادة لما قال. أما القادة الجمهوريون من أمثال "تشارلس رانجل"، رئيس "لجنة الطرق والوسائل"، فهو ينطلق من منطلقات مغايرة، هدفها حماية الاقتصاد القومي من خطر المنافسين الدوليين. ولكن لعل أهم ما دافع عنه "رانجل" في جلسة السماع تلك، هو تركته السياسية في اللجنة المذكورة التي يترأسها. وعلى الأرجح أن أقصر الطرق لإرساء تلك التركة، هو التجارة وليس مستحقات وفوائد ما بعد الخدمة في الكونجرس. لكن وعلى إثر مضي شهرين على جلسة السماع تلك، بدأت تتكشف عيوب ونقائص سياسات الانفتاح التجاري هذه. ومن جراء ذلك، فلم يعد واضحاً ومؤكداً بعد، ما إذا كانت إدارة بوش، ستمضي قدماً في إبرام صفقة تجارة متبادلة مع كوريا الشمالية، في الوقت المناسب لذلك، وتقديمها أمام الكونجرس، قبل أن ينفد الموعد المحدد للتفاوض بشأنها أم لا؟ غير أن الأمر الواضح الذي لا يطاله أدنى شك، هو عجز الإدارة عن إقناع الكونجرس حتى الآن، بتمديد الفترة القانونية اللازمة للتفاوض حول مشاريع صفقات التبادل التجاري، سواء تعلق الأمر بالصفقة المرتقبة مع كوريا الجنوبية، أم بإكمال جولة"الدوحة" البالغة الأهمية، فيما يتعلق بمحادثات التجارة العالمية. يجدر بالذكر أن "ميشيل" ليس هو الاقتصادي الوحيد، الذي أبدى ترحيباً بتجميد إبرام صفقات تجارية جديدة مع الدول الأخرى. غير أن هناك من يعترض من الخبراء الاقتصاديين الأفراد والمؤسسات البحثية العلمية على حد سواء، على فكرة التجميد الاستراتيجي هذه للصفقات التجارية. من ذلك مثلاً، أن "معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية الدولية" لا يزال يرى، أن في إزالة الحواجز المتبقية أمام حرية التجارة العالمية، من شأنه أن يعود على الولايات المتحدة الأميركية، بنحو 500 مليار دولار سنوياً. وسواء قبلنا هذا الرقم أم رفضناه، فإن المؤكد أن في المزيد من الليبرالية وإزالة الحواجز التجارية، ما يعود بفوائد اقتصادية جمة، على أميركا. ثم إن هناك معسكر حماة الاقتصاد القومي، وهؤلاء يدعون إلى المزيد من العولمة، مدفوعين بأجندتهم وتقديراتهم الخاصة لما سوف يكون عليه مستقبل الاقتصاد الأميركي، وموقعه من التنافس المحتدم في السوق العالمية. ومن رأي هؤلاء أنه وفيما لو كفت الولايات المتحدة عن إبرام الصفقات التجارية الجديدة، فإن القوى الاقتصادية المنافسة لها في السوق العالمية، ستستغل هذا الوضع، وتكتفي بإبرام الصفقات التجارية فيما بينها، ضاربة بذلك عزلة تجارية دولية على أميركا، خارجياً. أما في حال منع هذه الأخيرة الدول المذكورة عن النشاط في السوق الأميركية، فسوف تلجأ الدول نفسها، لنيل ما حرمت منه بأدوات التفاوض، بقوة القانون والتقاضي! سباستيان مالابي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"