بعد سبعة وعشرين عاماً أمضاها الرئيس "روبرت موجابي" في سدة الحكم في جمهورية زيمبابوي، ها هو الآن وقد بدأ يفقد سيطرته عليها. فقد أثارت الكارثة الاقتصادية التي ضربت البلاد جراء سياساته، عاصفة غضب وانتقادات حادة لإدارته، بما فيها فصائل وأجنحة نافذة داخل حزبه السياسي الحاكم. أما التكتيكات العرفية التي طالما لجأ إليها "موجابي" في التصدي لخصومه ومنتقديه، فهي ليست تقويم السياسات التي توجه إليها الانتقادات، وإنما قهر خصومه والزج بهم في غياهب السجون. بيد أن هذه التكتيكات لم تعد قادرة على الإبقاء على صمود النظام واستمراره طويلاً. ولم يعد العنف يجدي لقهر الخصوم والأعداء. ذلك أن زيمبابوي تتسم اليوم بكونها الاقتصاد الأكثر سرعة في انكماشه، إذا ما قورن باقتصاد أي دولة أخرى من دول العالم، خارج إطار النزاعات والحروب. وعلى سبيل المثال، فقد انخفض الإنتاج الزراعي بمعدل 50 في المئة منذ عام 2000، وهو التاريخ الذي أرسل فيه الميليشيات المسلحة وحرضها على الاستيلاء على مزارع البيض، أملاً في استعادة شعبيته التي فقدها. وبالنتيجة فقد مساحات زراعية كبيرة، دون أن تزرع أو تستثمر. أما معدل التضخم، فيبلغ حسبما تشير إليه الإحصاءات الرسمية 1.700 في المئة، بينما يتوقع له أن يصل إلى 5.000 في المئة بنهاية العام الحالي. إلى ذلك فقد قعدت البطالة بثلاثة أرباع السكان، ما أرغم نحو ثلاثة ملايين من المواطنين الباحثين عن عمل، إلى الهجرة إلى الدول المجاورة. وبالقدر ذاته، فقد أضحت الخدمات التعليمية والصحية على شفا الانهيار. وفوق ذلك، ارتفعت أصوات الدبلوماسيين الغربيين هناك، بالتحذير العلني من احتمال حدوث مجاعة عامة في البلاد. وفي لجة هذا اليأس الشعبي العام، عقدت مجموعات المعارضة لقاء أدت فيه صلوات "من أجل إنقاذ زيمبابوي" في العاصمة هراري، في الحادي عشر من مارس الماضي، متحدية بذلك اللقاء، حظراً حكومياً بعقد كل التجمعات والمواكب. أما استجابة "موجابي" لذلك التحدي، فهي إصدار أوامر للشرطة، بفض ذلك التجمع بالقوة وسحقه، كما يحلو له القول دائماً. وبالفعل فقد تعرض العشرات من المشاركين في ذلك اللقاء، بمن فيهم "مورجان تسفانجراي"، زعيم "الحركة من أجل التغيير الديمقراطي" البالغ من العمر 55 عاماً، للإهانة والضرب المبرح من قبل قوات الشرطة. وفي الأسبوع الماضي، ذكر قادة المعارضة، أن العشرات من الناشطين السياسيين والمدنيين، قد جرى اختطافهم وضربهم بوحشية، من قبل أشخاص مجهولين في منتصف الليل. وقد ساد الاعتقاد بأن ما حدث، كان جزءاً من حملة حكومية تهدف إلى خنق المعارضة وإخراس صوتها. وضمن ذلك كان "نيلسون كاميسا"، الناطق الرسمي باسم "الحركة من أجل التغيير الديمقراطي" قد تعرض للهجوم من قبل أربعة مجهولين الشهر الماضي في العاصمة هراري، وضربوه بقضبان حديدية حتى شج رأسه، على حد ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز". ومن جانبه وصف "كاميسا" ذلك الهجوم البربري بأنه نوع من أنواع "إرهاب الدولة" على حد تعبيره. ولكن الذي حدث، وعلى خلاف ما أراد "موجابي"، فقد أدى العنف الممارس ضد عناصر المعارضة وقادتها، إلى تعضيد شوكتهم ونفوذهم. ذلك هو ما أكده "كريستوفر ديل"، سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى زيمبابوي، بقوله لأحد الصحفيين:"لقد تحرر هؤلاء القادة من خوفهم، على رغم كل الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل غرس بذرة الخوف فيهم، على امتداد السنوات الثماني الماضية". وفوق ذلك فقد أدت موجة القمع الأخيرة هذه، إلى تنامي التنديد العالمي والإقليمي بحكومة "موجابي"، بما في تلك الأصوات، بعض حلفائه وأصدقائه في القارة الأفريقية نفسها. وليس أدل على ذلك من تجاوز حكومة جنوب أفريقيا التي تعد أكبر شريك تجاري لزيمبابوي، لترددها السابق وتمنعها عن توجيه انتقادات لأداء حكومة "موجابي"، وقولها صراحة إنها تريد له أن يذهب ويغادر منصبه الرئاسي، بانتهاء دورة رئاسته الحالية في العام المقبل 2008. غير أن لـ"موجابي" أفكاراً أخرى مغايرة بهذا الخصوص، تتلخص في رغبته في الاستمرار في المنصب الرئاسي، فيما بعد عام 2008، على الرغم من أنه بلغ من العمر الآن 83 عاماً. وفي ذلك صرح "موجابي" معرباً عن رغبته في الاستمرار في الحكم حتى عام 2014، وأنه لن يتسنى لخصمه ومنافسه "تسفانجراي" الجلوس على الكرسي الرئاسي مطلقاً، ما دام هو باق على قيد الحياة! ولكن ما أصعب الآن، تنفيذ هذا الوعيد الذي تعهد به موجابي ضد خصومه ومعارضيه. والدليل على ذلك، أنا هناك شخصيات نافذة في حزبه السياسي الحاكم نفسه، تواصل بذل الجهود والمناورات، من أجل إقناعه بأهمية مغادرة منصبه. والذي يدفع هذه الشخصيات إلى ذلك، خوفها من أن تضيع ثرواتها الطائلة التي جمعتها خلال سنوات حكم "موجابي"، نتيجة لحدوث انهيار اقتصادي شامل في البلاد. وكان "موجابي" قد أمن ولاء هذه الشخصيات له في الماضي، عن طريق مكافأتهم بالقطع والمساحات الزراعية الشاسعة، وكذلك منحهم العقود الحكومية وغيرها من الامتيازات. بيد أنه لم يعد في وسع "موجابي" الاستمرار في تقديم مثل هذه الإغراءات، بسبب أن حكومته نفسها، أضحت غارقة في الديون حتى أذنيها، وضرب خزانتها الإفلاس. لذلك وما أن حاول "موجابي" تأجيل الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في العام المقبل، لعامين آخرين على أمل تمديد فترته الرئاسية الحالية، حتى تصدى له "سولومون موجورو"، وهو وزير دفاع سابق، وأحد أغنى الشخصيات في البلاد. لكن ولطالما بقيت قوات الجيش والشرطة تحت سيطرته حتى الآن، فإن خيار سحق المنتقدين والمعارضين، يظل خياراً مفتوحاً أمامه. وهو مثل غيره من الطغاة الكثيرين، لا ينوي مطلقاً مغادرة منصبه الرئاسي في هدوء وسلام. ولذلك فإن التحديات أمام خصومه ومعارضيه، لا تزال كبيرة جداً. مارتن ميرديث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب صحفي ومؤلف كتب عديدة عن أفريقيا منها "مصير أفريقيا" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"