انسوا الفيلم الوثائقي الذي أعده "آل جور" حول ظاهرة الاحتباس الحراري، أو المخاوف التي يثيرها الرأي العام الدولي حول الاحترار الأرضي، والدعوة إلى خفض انبعاث الغازات الملوثة كما ينص على ذلك بروتوكول "كيوتو". فلدى الحديث عن التلوث وانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مازال العالم أسوأ مما كان عليه قبل سنوات. والجديد في الموضوع هو انتشار بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية تعتمد على الفحم لتشغيل مولداتها الضخمة، وذلك بمعدل محطتين كل أسبوع. هذا البناء المتنامي لمحطات توليد الكهرباء التي تعتمد على الفحم نتج عنه ارتفاع ملحوظ في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ليصل إلى مليار طن كل سنة، وأصبحت معه المولدات الجاري إنشاؤها على قدم وساق في العديد من دول العالم مسؤولة عن ضخ ثلث الانبعاثات العالمية من غاز ثاني أكسيد الكربون. فماذا يحمل لنا العالم في ظل هذا الاتجاه الجديد نحو بناء محطات كهربائية تعتمد على الفحم الحجري؟ كشف تحليل أجرته صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" أن العالم سيشهد زيادة في عدد المحطات الكهربائية التي تعمل بالفحم، إذ رغم القيود التي يفرضها بروتوكول "كيوتو" على حصة الدول من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أظهر التحليل أن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو سيتسمر في الارتفاع على نحو مطرد طيلة الخمس سنوات المقبلة، ليصل إلى حوالى 1.2 مليار طن في السنة الواحدة. فلو أخذنا الصين على سبيل المثال التي عادة ما تُكال لها التهم لمسؤوليتها في انبعاث الغازات الملوثة، فإنها فعلاً قامت ببناء ثلثي عدد المحطات الكهربائية المعتمدة على الفحم التي أقيمت في 26 دولة ما بين 2002 و2006 والتي يقدر عددها بحوالى 560 محطة. لكن رغم إسهام المحطات الجديدة التي تعمل الصين على بنائها في رفع انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 740 مليون طن، فإنه من المتوقع أن تعمل الصين أيضاً وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة على التقليل من بناء المحطات بحوالى النصف، مقلصة حصتها من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، حسب التقديرات الصناعية، إلى 333 مليوناً سنوياً. وبالطبع لا تُضاهي أية دولة أخرى على وجه الأرض ما تنفثه الصين في الهواء من ملوثات، لكن هناك من يبدو مصمماً على اللحاق بها. وفي هذا السياق يقول "ستيف بابر"، مدير قسم تنبؤات الطاقة في "بلاتس"، المؤسسة التي زودت "كريستيان ساينس مونيتور" بالإحصاءات: "لقد تم التركيز على ما تقوم به الصين، لكن الواقع يشير إلى أن النمو العالمي في مجال بناء محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم هو في تصاعد مستمر. إننا نشهد حالياً تنويعاً في مصادر الطاقة وابتعاداً عن النفط والغاز الطبيعي بعد ارتفاع أسعارهما في السوق العالمي. لذا يبرز الفحم كمصدر زهيد وجذاب للطاقة، وبالنسبة للدول التي تتوفر على كميات وافرة منه أصبحت تنظر إليه باعتباره فرصة يتعين استغلالها". وعلى سبيل المثال، تعمل الولايات المتحدة على بناء المزيد من محطاتها الخاصة بتوليد الكهرباء انطلاقاً من الفحم الحجري. وهكذا أنتجت الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الأخيرة 2.7 جيجاوات من الطاقة الكهربائية اعتماداً على الفحم، ويتوقع أن يصل الإنتاج إلى 37.7 في المقبل من السنوات، وهو ما يكفي لبث ما لا يقل عن 247.8 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو كل سنة، وذلك حسب التقديرات التي خلصت إليها "بلاتس". والأكثر من ذلك أنه حتى الدول التي تعهدت بموجب بروتوكول "كيوتو" بخفض معدلاتها من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لم تتردد هي الأخرى في بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة تعتمد على الفحم الحجري. فعلى سبيل المثال، تعتزم ثماني دول تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي هي ألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، وأسبانيا، وبلغاريا، والمجر، وسلوفاكيا، ثم جمهورية التشيك، إضافة 13 جيجاوات إلى قدراتها في إنتاج الطاقة بالاعتماد على الفحم الحجري بحلول 2012، وهو ما يشكل زيادة تقدر بحوالى 2.5 مقارنة مع السنوات الخمس المنصرمة. وبالإضافة إلى الدول الـ26 التي أعلنت عن نيتها في توليد الطاقة انطلاقاً من الفحم، انضمت إليها 37 دولة أخرى رأت في الفحم فرصة لا تعوض لرفع إنتاجها من الطاقة. وبانضمام دول مثل سيريلانكا، وبعض الدول الأخرى المنتجة للنفط مثل إيران إلى مجموعة البلدان التي تعتمد على الفحم لتوليد الطاقة، سيواجه العالم خلال السنوات الخمس المقبلة ارتفاعاً في عدد المحطات التي تعمل بالفحم لتصل إلى 7474 محطة، تتوزع على 79 دولة، وتضخ تسعة مليارات طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في العام الواحد، من بين 31 مليار طن من الانبعاثات التي تنفثها جميع المصادر الأخرى. وفي هذا الإطار يقول "ديفيد هوكينز"، مدير مركز المناخ بـ"مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية" بواشنطن: "إن هذه الأرقام المهولة تشير إلى خطورة الطريق التي يسلكها العالم، كما تدلل أيضاً على غياب الوعي لدى القطاع الخاص، الذي مازال يستثمر في محطات توليد طاقة تعمل بالفحم، وعلى هذه الإحصاءات المخيفة أن تكون بمثابة إنذار للسياسيين بمدى الخطورة التي وصلتها أوضاع البيئة في العالم". لكن، بالنسبة لبعض الباحثين والعلماء مازلنا لم نصل بعد إلى حافة الهاوية، بل ويمكن تجنبها من دون تقليص الاستهلاك العالمي من الطاقة. فإذا تم احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تنفثه محطات توليد الكهرباء في الهواء، ليعاد ضخه في باطن الأرض، وعزله بصفة دائمة داخل الطبقات الصخرية، فإنه يمكن الاستمرار في استخدام الفحم من دون إلحاق الضرر بالمناخ، وذلك حسب تقرير مهم أصدره في الأسبوع الماضي "معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا" بالولايات المتحدة. وعلى ضوء هذه الدراسة الجديدة، فإنه من المهم معرفة ما إذا كانت الصين، والدول الأخرى، ستواصل بناء محطات كهربائية مزودة بالتقنية اللازمة التي تسمح لها بعزل غاز ثاني أكسيد الكربون تحت باطن الأرض، أم أنها ستستمر في العمل بالمحطات العادية. وهو تساؤل يتعين على السياسيين ومنظمات حماية البيئة التدخل للإجابة عليه لأنه بات يهم سلامة وأمن كوكب الأرض، وجميع شعوب العالم. مارك كلايتون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو هيئة تحرير "كريستيان ساينس مونيتور" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"