تطرق د. جمال سند السويدي، مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في مقابلته الجريئة التي أجرتها "الاتحاد" معه مؤخراً، إلى سقف الحرية المتاحة للإعلام، التي لا يحسن استغلالها البعض، ووصف الصحفيين الذين يتناولون مضامين مؤطرة بأطر وهمية بأنهم "ملكيون أكثر من الملك". والمتابع لصحفنا اليومية يلمس هذا الوصف بوضوح، وكأنهم لا يخجلون من كونهم الناطقين باسم الحكومة دون أن توكل لهم هذه المهمة من الأساس. فالدولة لا تحتاج إلى مصفقين على الدوام، وأصحاب القرار يدركون، تمام الإدراك، دور الصحافة التوعوي والحريص أولاً وثانياً وآخراً على الصالح العام. لكن "الملكي جداً" ينسى كونه يحمل أمانة قلمه، وأن التاريخ سيحاسبه على كل هذا البخور المحروق طوال خط خدمته في بلاط صاحبة الجلالة. فالقضايا كثيرة، وعلاجها يستدعي وضوحاً وصدقاً وشفافية، وربما بتراً وتدخلاً جراحياً، أين هو الصحفي والكاتب من كل هذا الألم؟! يلوح من بعيد عن كون دخان يتصاعد من بعيد، ويخشى إن اقترب ليطفئ ألسنة النيران أن تطاله بشيء منها، ويصبح أحد ضحايا هذه النار، ولم يدرك أنه إنْ ساهم في عملية الإطفاء، وأخلص نواياه سيكتب اسمه على لوحة من نور طوال عمره وبعد عمره أيضاً. فحينما تقرأ للبعض، يباغتك شعور مفاجئ بالتقيؤ، وتسخر من هذا المتفاني في التبجيل والزحف، وجمهور القراء يحتقره لأنهم أذكى من أن يصدقوا مثل هذه المسرحيات. الثناء على طيب السلوك يستدعي سلوكاً أفضل بلا شك صحيح ، لكن أن يعتقد أمثال هؤلاء أن دورهم هو التلميع لا غير، وأنهم بذلك يعلنون أنهم مجرد جوقة، فهم يقتلون أنفسهم على الملأ ويفقدون مصداقيتهم للأبد ويمهرهم القارئ بالمنافقين الجدد بلا منازع أو منافس. ماذا ينتظر أمثال هؤلاء من كل هذا العمل غير الحريص على الوطن؟ عطايا ذات مواصفات خاصة؟ ماذا تفعل كل هذه الشكليات الفارغة أمام ضمير الإنسان وكرامته وموقفه من هموم ناسه وأهله؟ هل ستنقذ هذه العطايا صورته الملطخة؟ هل سيرمي باسمه ودوره ومهامه في سلة المهملات على قارعة الطريق؟ ما بالنا صرنا نبحث عن المادة دون الاهتمام بقيم إنسانية رفيعة، الحفاظ عليها يعني حفاظاً جميلاً لشكل الإنسان وصورته الداخلية المسكونة بحقوق الآخرين وانشغالاتهم؟ سقف الحرية متاح إلى حد بعيد، لكنه بحاجة إلى مهنيين يقدرون مهنتهم وينادون بسقف أكثر ارتفاعاً، ليكون المشهد أكثر وضوحاً وشمولاً وأسهل بالتالي علاجاً ورأباً لتصدعاته. مرآة الصباح كفيلة بأن تجلو صدأ الشكل العام، ومحاسبة النفس مهمة في مهنة كهذه، ومثل هذه المضامين أوصلتنا إلى حالة اشمئزاز وسأم جعلت أسماء هؤلاء تتساقط كأوراق خريفية تذهب سدىً. الضمير هو الحل الوحيد لمثل هذه التقلبات وهو الحل أيضاً لتشوهات أبعدتنا عن الحقيقة وشغلتنا عن همّ الوطن... الوطن دون تنازلات أو ادعاءات أو كتابات تبحث عن بريق مزعوم.