لم تكن قمة عادية, بل هي قمة عقدت في ظروف معقدة, وبذلت فيها السعودية نشاطاً غير مسبوق في تحركها على المستوى العربي والعالمي. قمة الرياض تدعو واشنطن لإعادة حساباتها مع حلفائها، وإلى تقييم سير العلاقة مع الحلفاء وفق رؤية جديدة تنطلق من حق الأصدقاء في أن يعتبوا على حلفائهم وأن يعي الحليف أن سياسة اللامبالاة لم تعد مجدية. القيادة السعودية تعلم بأن الانحياز للمصالح الإسرائيلية هو منبع الاختلاف, كما تعي أن الانحياز يعني في لغة السياسة عدم الاهتمام بالحلفاء الآخرين وبمصالحهم. واشنطن غير مطالبه بمعاداة إسرائيل بقدر ما يطلب منها احترام حقوق حلفائها. واشنطن دأبت على التعامل مع حلفائها العرب من منطلق أنهم غير مبالين وأنهم لا يملكون سوى حناجرهم وأنهم اعتادوا على البيانات, أما في الغرف المغلقة فهم يقولون خلاف ما يعلنون. الرياض أعلنت موقفها بشكل لا يقبل التأويل، فقد أصرت على المبادرة العربية للسلام وعلى مواصلة السير نحو السلام العادل الذي يضمن حقوق كل الأطراف المتصارعة. أما واشنطن فتسعى لتكييف المبادرة وفق مصالح إسرائيل كعادتها غير عابئة بمصالح حلفائها. الرياض تعي بأن الوقت قد حان كي تعي واشنطن بأن الحلفاء العرب، وتحديداً السعودية، لم يعد بمقدورها تبرير الانحياز الأميركي لإسرائيل أمام الشعوب العربية. واشنطن إذا ما كانت عازمة على وضع نهاية لتاريخ التأزم والصراع البغيض عليها أن تخطو خطوة نحو العقل وأن تعيد حساباتها, وفقاً للمصالح المشتركة. أما إصرارها على المضي في سياسة التجاهل لمصالح حلفائها في حلف الاعتدال فذلك وبكل تأكيد سيقوي من مدرسة التطرف وسيقوض فرص السلام العادل. واشنطن عليها أن تعي أبعاد المبادرة الصادرة من المملكة العربية السعودية وإجماع العرب عليها، وأن لا تضيع الفرصة مرة أخرى, فالسعودية عندما تعلن قبولها بدولة إسرائيل من منطلق ترسيه قواعد للسلام في الشرق الأوسط وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة, فهذا يعني الكثير, وعلى الحلفاء فهْم أبعاد المبادرة العربية وعدم الانصياع وراء الاستهتار الإسرائيلي. الاتحاد الأوروبي أخذ في التحرك الفاعل، ونأمل أن يكون لأوروبا القديمة رأيها وأن تبادر في وضع نهاية للصراع في منطقة الشرق الأوسط. أوروبا وبحكم الجغرافيا هي الأقرب للمنطقة وهي المستفيد من الاستقرار والسلام في المنطقة. أوروبا تملك الكثير من الأوراق وعليها أن تمارس دورها وفق مصالحها وليس المصالح الأميركية فقط. نقول للقيادة السعودية إن خطواتكم محط أنظار وإنكم تملكون الكثير لتغيير الواقع المختل في الساحة العربية، وما عليكم إلا المضي قدماً نحو تفعيل دبلوماسيتكم على الساحة الدولية لكي يعي الأصدقاء أن الخيارات كثيرة في عالم تقوم علاقاته على تبادل المصالح. السعودية استطاعت بدبلوماسيتها الجديدة فك التشابك في الموضوع الفلسطيني وتسعى لتهدئة الوضع اللبناني ونتمنى أن تنجح مساعيها. السعودية نبهت إيران إلى خطورة الوضع في المنطقة الخليجية وتحاول جاهدة ترسيته على قواعد التعاون المتبادل بين دول الخليج، وعلى إيران عدم التمادي وجر المنطقة إلى ويلات الحروب لاسيما أن المثال العراقي مازال ماثلاً أمامنا ولا نعتقد أنه من الحكمة أن تسعى إيران لمزيد من التأجيج, فالمنطقة على كف عفريت وقد تنفجر بسبب سياسة حمقاء تأكل الأخضر واليابس. نتمنى من القيادة السعودية مزيداً من التحرك الدبلوماسي لمعالجة بؤر الاحتقان ونتمنى لدول مجلس التعاون مزيداً من التفهم للظروف المحيطة, فنجاح السعودية هو نجاح للعرب كلهم.