رغم أجواء الطرافة التي أحاطت بحوار صحفية عربية مع وزير الخارجية السعودي، وأمين عام الجامعة العربية، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب قمة الرياض، فإنه قد أبرز جوهر الموقف الشعبي العربي من قرارات القمم العربية عموماً. قالت الصحفية إن المثل الشعبي المصري ينطبق على القمم العربية حيث يقول: "اسمع كلامك يعجبني.. أشوف أمورك استعجب"، ثم أردفت قائلة: إن القرارات تلبي طموحات الشعوب العربية، لكن ما أخشاه هو أن تتحول القرارات مثل قرارات القمم السابقة، إلى مجرد كلمات في أوراق لا تتحقق على أرض الواقع. لقد جاء رد فعل المسؤولين العربيين، ليعكس إدراكاً رسمياً بأن المواطنين العرب ينتظرون تفعيلاً للقرارات يترجمها إلى واقع ملموس، وهو إدراك يطمئننا إلى أن الرسميين العرب ليسوا منفصلين عن طموحات الجماهير ولا معزولين عن لمس أسباب الإحباط الشعبي. قال المسؤولان ما يعني أنه إذا كان الكلام يثير الإعجاب، فلابد من منح العمل فرصة ليؤتي ثماره قبل التعبير هذه المرة عن التعجب. لقد تأملت ذلك الحوار التلقائي في ضوء تجربة إطلاق المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002، فقد انقضت خمس سنوات كاملة على إعلان قادة العرب عن عزمهم على مقايضة الأرض المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية وحل مشكلة اللاجئين، بالسلام والعلاقات الطبيعية مع إسرائيل. ترى ماذا كان يمكن للقادة العرب أن يفعلوا أكثر من ذلك في مواجهة التعنت الإسرائيلي وهيمنة ميول التوسع على العقل الإسرائيلي الجماعي فضلاً عن الدعم الأميركي المطلق لهذه الميول؟ إن أي مواطن عربي يضع نفسه موضع القادة لن يجد أمامه سوى خيارات ثلاثة: الأول أن يحاول اختراق سياج الرفض الإسرائيلي المدعوم أميركياً لإحداث اختراق يؤدي إلى تمرير المبادرة، وهذا بالفعل ما حدث ثم انتهى إلى جمود خمس سنوات للخلل الواضح في موازين القوى. أما الخيار الثاني فهو التراجع عن المبادرة وسحب الخيار الاستراتيجي للسلام، وهو خيار يقتضي بالضرورة إعداد العدة لخيار معاكس بكل تبعاته الدامية في ظل موازين مجحفة بالعرب. أما الخيار الثالث فهو خيار الانتظار إلى أن تتغير البيئة الدولية، لتسمح بإعادة طرح المبادرة وتفعيلها من جديد في ظروف أفضل تتيح لها تحقيق أهدافها. من الواضح أن الخيار الثالث هو الذي انتصر، وها نحن نرى قراراً من القمة بإحياء المبادرة وتفعيلها من جديد. ومع ذلك يبقى حوار الصحفية العربية مع المسؤولين العربيين نابضاً بالتساؤل الواقعي عما يمكن أن يفعله القادة العرب أصحاب المبادرة وقرار تفعيلها، إذا حالت إرادة الطرف الذي يبسط سيطرته الجائرة على الأرض المحتلة دون التفعيل المطلوب. ربما كان واجبنا كمواطنين عرب، أن نعطي قادتنا الفرصة الكافية زمنياً، قبل أن نطلق علامات التعجب وألا نكتفي بذلك، بل نقوم معهم بدور الشريك في المراقبة لردود الفعل واستنتاج معانيها على الأقل. لقد حسم القادة موقفهم بالرفض لرد الفعل الإسرائيلي السابق على القمة، الذي تمثل في مطالبة وزيرة الخارجية الإسرائيلية للعرب بالإقدام على التطبيع أولاً، ونحن مع قادتنا في هذا الرفض، فليس معقولاً أن ندفع ثمن بضاعة نطالب بها ولم تسلم بعد، ذلك أن دفع الثمن مقدماً يمكن أن يكون مقدمة لامتناع إسرائيل بعد ذلك عن إعادة الأرض والاكتفاء بإعادة جزء منها والاحتفاظ بالباقي. إذاً ما هو الممكن بعد هذا الرفض العربي المحمود؟ لقد أعلن أمين عام الأمم المتحدة أنه يقوم بالتحضير لمؤتمر دولي تشارك فيه دول الرباعية الدولية -الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة- مع دول الرباعية العربية -السعودية ومصر والإمارات والأردن- بالإضافة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية لبحث إطلاق عملية السلام على أساس المبادرة العربية. لقد سبق للدول العربية حضور مؤتمر مدريد للسلام مع إسرائيل لبحث آفاق التسوية، وانفض المولد دون أن يترتب عليه شيء ودون أن يعني هذا إعلاناً عربياً بالاعتراف بإسرائيل وإقامة سلام معها طالما لم تسلم البضاعة المطلوبة.