يثيرُ السجال الدائر في الولايات المتحدة هذه الأيام حول موضوع إقالة بوش لثمانية نواب عاميين سؤالا أساسياً: إلى أي حد يمكن للرئيس أن يمارس السلطة على إدارة فرض القانون؟ في أعقاب فضيحة "ووترجيت"، أصدر الرئيس "كارتر" تعليمات إلى وزير العدل "جريفين بيل" بإعداد تشريع يجعل منصب وزير العدل منصباً معينا لفترة محددة، لا يمكن إقالة صاحبه إلا حينما يكون ثمة ما يدعو إلى ذلك. أما فكرة "كارتر"، فكانت تتمثل في جعل وزير العدل مستقلاً عن الإدارة الرئاسية ضماناً لعدم استغلال سلطات وزارة العدل مرة أخرى لأسباب سياسية، مثلما حدث خلال فترة نيكسون الرئاسية التي شهدت فضائح أخلاقية. وبالرغم من نبل وصدق نوايا "كارتر"، فإن "بيل" رفض، معللاً ذلك في رسالة إلى الرئيس بتاريخ الحادي عشر من أبريل 1977، جاء فيها أن أي قانون يحد من صلاحيات الرئيس بخصوص إقالة وزير العدل– وبالتالي إقالة أي مدعي عام- من المرجح أنه منافي للدستور على اعتبار أن الرئيس –يقول بيل- يُحاسَب على أعمال وتصرفات الجهاز التنفيذي بكامله، بما في ذلك وزارة العدل؛ مستنتجاً ضرورة أن يكون الرئيس حراً في صياغة سياساته وتحديد أولوياته، حتى في المجال القانوني "لأن القوانين لا تُنفَّذ من تلقاء نفسها؛ وأن فرضها، بطبيعة الحال، لا يمكن فصله عن الاعتبارات السياسية". بيد أن "كارتر" جادل بأن وزير العدل مختلف عن بقية موظفي الحكومة، على اعتبار أنه منصبٌ يقتضي مسؤولية مزدوجة، تتمثل في تطبيق سياسات البيت الأبيض على غرار أي وزير آخر في الحكومة، وتمثيل قانون الولايات المتحدة بغض النظر عن مطابقته لسياسات الرئيس من عدمها. وقد وافق "بيل" على هذا التحليل، غير أنه رأى أن ذلك غيرُ كافٍ لتعليل فصل منصب وزير العدل والنواب العامين التابعين له عن الإدارة الرئاسية. وقد استند "بيل" في تحليله إلى سابقة قضائية في المحكمة العليا، ولاسيما رأي رئيس المحكمة القاضي "ويليام هاورد" في قضية "مايرز ضد حكومة الولايات المتحدة" (1926)؛ حيث وجد رئيس قضاة المحكمة وقتها أن الكونجرس يسن أنواعاً مختلفة من القوانين؛ بعضُها يتطلب إشرافاً كبيراً من قبل الرئيس، وبعضها الآخر يستفيد من الخبرة الموجودة داخل الوكالات الحكومية المختلفة. غير أنه عندما يؤدي الموظفون أسفل الهرم الإداري هذه المهام -تقول المحكمة- "فإنهم لا يمارسون سلطاتهم التقديرية، وإنما سلطات الرئيس التقديرية"، مضيفة أن "كل وزير يعد، ويجب أن يمثل، "الأنا الثانية" للرئيس في تسيير شؤون تلك الوزارة على اعتبار أن الرئيسَ مطالبٌ بموجب القانون بممارسة السلطة". إلا أن تحليل المحكمة لم ينفِ في الوقت نفسِه الطابعَ الخاص لوزارة العدل؛ حيث اعترف "تافت" بأنه قد توجد مهام تتطلب الحياد من موظفي الجهاز التنفيذي، "الذين لا يستطيع الرئيسُ في بعض الحالات التأثير في مهامهم أو التحكم فيها بالكامل". بطبيعة الحال، فإن التأثير غير القانوني هو ما يشغل بال عضوي مجلس "الشيوخ" باتريك ليهي (الديمقراطي من فيرمونت) و"دايان فينشتاين" (الديمقراطية من كاليفورنيا) اليوم في سعيهما إلى التحقق مما إذا كان قد تم تلافي أو عرقلة بعض المتابعات القضائية لاعتبارات حزبية. غير أن المحكمة رأت في الوقت نفسِه أن الرئيس يستطيع إقالة أي موظف معين في بعض حالات المتابعة القضائية" على اعتبار أن السلطة التقديرية التي يمنحها القانون لذلك الموظف لم تمارَس بشكل ذكي وحكيم". وقد دافع "كايل سامسون"، المدير السابق لمكتب وزير العدل "ألبيرتو جونزاليس"، عن الفكرة نفسها حين إدلائه بشهادته في مجلس "الشيوخ" يوم الخميس الماضي، إذ قال إن النواب العامين الذين أُقيلوا لم يتم تقييمهم من حيث مهاراتهم المهنية فحسب، وإنما أيضاً من حيث علاقاتهم مع موظفي فرض القانون والموظفين الحكوميين الآخرين وتطبيقهم لأولويات الرئيس. ومن الواضح جداً أن "سامبسون" كان يسعى إلى إسناد قرار الإقالة إلى سابقة المحكمة التي تمنح الرئيسَ ووزير العدل حريةَ إقالة الموظفين. والحقيقة أن التحليل الذي قدمه "بيل" مفيد ومنير؛ ذلك أن رفضه إعداد التشريع الذي كان يرغب فيه "كارتر" لا يعني أنه على مجلس "الشيوخ" ألا يُحقق في ما إن كان البيت الأبيض تحت إدارة بوش أو وزارة العدل تحت "جونزاليس" حاولا التأثير على إحدى القضايا بشكل غير قانوني؛ وإنما يعني أن مجلس "الشيوخ" لا يتوفر على أي سند قانوني للاعتراض في حال تبين أن المدعين العامين إنما أُقيلوا لأنهم فشلوا في الدفع بالقضايا التي سعا الرئيسُ أو وزيرُ عدله إلى إعطائها الأهمية. فالأمر في الحالة الأولى يتعلق بالفساد وعرقلة العدالة، وفي الثانية بالإدارة السياسية. وقد خلص "بيل" قبل 30 عاماً إلى أن إضعاف هذه الإدارة السياسية من شأنه أن يجعل وزير العدل "خاضعاً بشكل مفرط للكونجرس، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل واضح على مبدأ فصل السلطات الذي ينص عليه الدستور"؛ والواقع أن الأمر نفسه يصدق اليوم. في نهاية المطاف، شاطر "بيل"، "كارتر" قلقه من أن تتمادى وزارة العدل في استغلال سلطاتها لأسباب سياسية؛ غير أنه رأى أن المراقبة الأكيدة والوحيدة بخصوص إساءة استعمال السلطة تتمثل في "الثقة والصدق"، وهما أمران لا يوجد قانونٌ في الدنيا يمكن أن يوفرهما أو يضمنهما. والأكيد أنه عندما يمثل "جونزاليس" أمام لجنة الشؤون القضائية التابعة لمجلس "الشيوخ" في السابع عشر من أبريل الجاري، فإنه يُنتظر أن يكون التاريخ والسوابق القضائية والدستور إلى جانبه. غير أنه لا أحد يعلم ما إن كان سيستطيع إقناع محققي مجلس "الشيوخ" بأنه يملك هذين الأمرين اللذين لا يستطيع أي قانون أن يوفرهما أو يضمنهما. دوجلاس كميك أستاذ القانون الدستوري بجامعة بيباردين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"