تنهض الثقافة وينتعش دورها في إثراء المجتمعات فكرياً ووجدانيا بوجود رعاية تستنهض الهمم وتحفّز العزائم وتشجّعها على استخراج مكنون الأفكار ومخزون الإبداع، فهي بالتأكيد رعاية تترجم قناعات راسخة بقيمة الثقافة ودورها في حياة الأمم والشعوب، ومن هنا تبرز قيمة الدعم الذي يقدّمه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" للثقافة. ولاشكّ في أن ما تشهده أبوظبي من تجلّيات وثمرات لهذا الدعم والاهتمام رفيع المستوى يستحق بالفعل كل التحيّة والتقدير، ولاسيّما أن بشائر الحصاد تشير إلى أن أبوظبي على موعد مع المستقبل ليس في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل أيضاً على الصعيد الثقافي، فقد شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة متلاحقة من الإنجازات الثقافية المتميزة التي حققت نجاحاً مشهوداً مثل مشروع مسابقة "شاعر المليون" الذي يمثل تظاهرة ثقافية أسقطت الكثير من المفاهيم السائدة عن المتلقي العربي، وأكدت بالمقابل إمكانية تحقيق الانتشار والنجاح الإعلامي دون افتئات على الهوية والثقافة المحلية، وقبل ذلك كان هناك معرض "لغة الصحراء" وافتتاح "سوربون أبوظبي" ثم الاتفاق على مشروع متحفي "اللوفر" و"جوجنهايم" وتحويل "جزيرة السعديات" إلى قبلة سياحية عالمية ومصدر إشعاع ثقافي للمنطقة، ثم عرض "أوبرا عايدة" بـ"قصر الإمارات"، والسبت الماضي كان افتتاح "معرض أبوظبي للكتاب"، وبالأمس كان تكريم الفائزين بـ"جائزة الشيخ زايد للكتاب" لتحفر للإمارات موقعها في عالم الثقافة وتشجيع الإبداع والمبدعين. الإنجازات الثقافية التي تحقّقت خلال عام فقط هو عمر "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث"، تبشّر بأن أبوظبي باتت مركزاً ثقافياً واعداً وتؤكد أن الثقافة دخلت بقوة على خط التنافس على التفوّق والتميّز بين مختلف قطاعات التنمية في الدولة. مفردات الطموح الثقافي في أبوظبي ليست عشوائية ولا تعبّر عن مجازفة عابرة بل تجسّد في مجملها وفي مختلف تفاصيلها استراتيجية مدروسة لتحويل أبوظبي إلى واحة ثقافية تتجاوز حدود الجغرافيا بما تمتلكه من مشروعات وخطط مستقبلية لا تعرف سقفاً للطموح، وتنطلق من قناعة راسخة بقيمة الثقافة ودور الإبداع في حياة الأمم والشعوب الناهضة. هذا الحراك الثقافي الرائع ينطوي على أبعاد مهمّة، خصوصاً أنه يتماهى مع خطط تطوير نوعي تشهدها دولة الإمارات بشكل عام وأبوظبي بشكل خاص، فهناك سعي حثيث لتطوير التعليم ودعم البحث العلمي والاستفادة من قدرات الدولة في مجال الاتصالات والجاهزية الإلكترونية وتشجيع الإبداع والمبدعين في مختلف المجالات بما يمكّن الإمارات من حجز موقعها المناسب على قائمة التنافسية العالمية. صناعة المعرفة هي المدخل الحتميّ للتقدّم في القرن الحادي والعشرين، فلم تعد معارض الكتب على سبيل المثال مجرّد مساحات لبيع الكتب وتسويقها، بل تحوّلت إلى مؤشر حقيقي لقياس مناخ الحريات السائد في هذه الدولة أو تلك، وهي أيضاً مؤشر للتعرّف إلى مكانة الثقافة وحجم الدور التنموي الذي تلعبه في حياة الشعوب. الأحداث الثقافية السابقة والراهنة تؤكد أن المستقبل للثقافة وتثبت أن أبوظبي حجزت مكانها بجدارة بين عمالقة الثقافة والمعرفة في العالم، وإذا كان الحلم الكبير يبدأ بخطوة فإن أبوظبي قد قفزت خطوات وخطوات على طريق تحقيق هذا الحلم، الذي ينمو بمرور الأيام ويتغذّى على وقع النجاح ويطرب لكل مشروع ثقافي يرى النور. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية