في مؤشر آخر على أن اليابان ماضية قدماً في إعادة قراءة تاريخها لفترة الحرب العالمية الثانية، أعلنت الحكومة في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي أن المقررات الدراسية للمدارس الثانوية، لن تعترف بعد الآن بأن الجيش الإمبراطوري كان مسؤولاً عن واحدة من أكبر فظاعات الحرب في "أوكيناوا". فقد أمرت وزارة التعليم الناشرين بحذف الفقرات التي تقول إن الجيش الإمبراطوري أمر المدنيين بالقيام بعمليات انتحار جماعي خلال معركة "أوكيناوا" حينما كانت الجزيرة على وشك السقوط بين أيدي القوات الأميركية خلال الأشهر الأخيرة من الحرب. القرار أُعلن عنه في إطار المراجعة السنوية، التي تقوم بها الوزارة للكتب المدرسية المعتمدة في جميع المدارس العمومية. كما أمرت الوزارة أيضاً بإدخال تعديلات على مواضيع حساسة أخرى تتناغم مع التوجهات الحكومية، وإن كان من المفروض أن تكون عملية المراجعة خاليةً من التأثيرات السياسية. وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء "شينزو آبي"، الذي لطالما ناضل من أجل تخفيف وتلطيف طريقة تناول الكتب المدرسية لتصرف اليابان إبان الحرب: "أعتقد أن عملية مراجعة الكتب تمت بشكل لائق". ويأتي القرار بخصوص معركة "أوكيناوا"، الذي شكل مفاجأة للكثيرين على اعتبار أن الوزارة لم تعترض أبداً من قبل على التوصيف القديم، بعد أن نفى "آبي" مؤخراً أن يكون الجيش قد أرغم بعض النساء الآسيويات على العبودية الجنسية زمن الحرب. ولما كانت نتائج المراجعة السنوية للكتب المدرسية تستأثر باهتمام وتتبع كبيرين في الصين وكوريا الجنوبية وبلدان آسيوية أخرى، فمن المرجح أن يساهم النفي الجديد لمسؤولية الجيش الياباني في معركة "أوكيناوا"، ولمسؤوليته أيضاً عن العبودية الجنسية -اللتين طالما عُدتا من الحقائق التاريخية- في تعميق الشكوك عبر آسيا في أن طوكيو تحاول التغطية على ماضيها العسكري، في وقت تسعى فيه إلى النهوض بدور قواتها المسلحة. ومما يُذكر هنا أن "آبي" قام بُعيد تقلده مهام رئاسة الوزراء بوقت قصير بتحويل وكالة الدفاع إلى وزارة قائمة بذاتها؛ كما أوضح أن هدفه الأكبر يتمثل في مراجعة الدستور السلمي، الذي فرضته الولايات المتحدة، والذي يحظر على اليابان التوفر على جيش قوي ذي قدرات هجومية. وقد قُتل خلال معركة "أوكيناوا"، التي تعد من أكثر معارك الحرب ضراوة، نحو 200000 أميركي وياباني؛ وكانت المعركة الوحيدة التي جرت على الأراضي اليابانية، وشارك فيها مدنيون، غير أن "أوكيناوا" ليست جزءاً عادياً من اليابان. إذ لم تقم اليابان بضم "أوكيناوا"، المملكة التي لازالت تحتفظ إلى يومنا هذا ببعض من خصائصها الثقافية، بشكل رسمي سوى أواخر القرن التاسع عشر. وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت القوات اليابانية تعامل السكان المحليين بوحشية وقساوة عندما كان الكثير منهم يتحدثون لهجتهم المختلفة. وإضافة إلى ذلك، يقدم "متحف تذكار السلام" في "أوكيناوا" الجزيرةَ على أنها علقت وسط الاقتتال بين الولايات المتحدة واليابان، وهو رأي يختلف تماماً مع وجهة نظر متحف ضريح "ياسوكوني" الحربي، الذي يقدم اليابان باعتبارها محرر آسيا من القوى الغربية. خلال معركة 1945، التي قُتل خلالها ربع السكان المدنيين، أبدى الجيش الياباني عدم اكتراث لدفاع "أوكيناوا" وسلامتها؛ حيث استعمل الجنود اليابانيون المدنيين كأذرع ضد الأميركيين، وأقنعوا السكان المحليين بأن الجنود الأميركيين المنتصرين لن يتورعوا عن عمليات القتل والاغتصاب. ونتيجة لذلك، قام المدنيون، عندما أصبح انتصار القوات الأميركية وشيكاً، بعمليات انتحار جماعية، وذلك بإيعاز من الجنود اليابانيين المتعصِّبين. ومما يرد في أحد الكتب المدرسية التي أُدخلت تعديلاتٌ على بعض فقراتها: "كان ثمة أشخاص أُرغموا من قبل الجيش الياباني على الانتحار". أما التعديل الذي أمرت به وزارة التعليم، فيقول "كان ثمة أشخاص دُفعوا إلى الانتحار". وثمة تغييرات أخرى مشابهة -ولاسيما باستعمال المبني للمجهول- كلها ترمي إلى محو مسؤولية الجيش الياباني. أما وزارة التعليم اليابانية، فقد أعلنت في تعليلها لقرار التغيير أنه "من غير الواضح أن الجيش الياباني فرض أو أمر بعمليات انتحار جماعي". وعلى غرار نفي "آبي" بخصوص العبودية الجنسية، يقلل موقف الوزارة الجديد فيما يبدو من شأن الأدلة المتزايدة على حدوث الإكراه، ومن ذلك شهادات الضحايا والناجين. وفي تعليقها على الحدث، كتبت صحيفة "ريوكيو شيمبو"، وهي إحدى أهم صحيفتين في "أوكيناوا"، ضمن افتتاحية غاضبة: "هناك العديد من سكان أوكيناوا، الذين شهدوا بأن الجيش الياباني حثهم على الانتحار الجماعي. كما أن ثمة أشخاصاً شهدوا بأن الجنود اليابانيين سلموهم قنابل يدوية" من أجل تفجير أنفسهم، معتبرةً أن التعديل تحركه دوافع "تتماشى ورأي الحكومة". من جهة أخرى، نفى "ياسوشيرو ناكاسوني"، رئيس الوزراء السابق الذي يعد من أقرب حلفاء "آبي"، مؤخراً ما كتبه في 1978 في كتابه الذي يحمل عنوان "قائد 3000 رجل في سن الثلاثة والعشرين"، والذي يحكي فيه تجربته في إندونيسيا حين كان في البحرية الإمبراطورية. "ناكاسوني" كتب يقول إن بعض رجاله "كانوا يهاجمون النساء المحليات أو أصبحوا مدمنين على القمار"، مضيفاً "من أجلهم عانيت كثيراً، وأقمت محطة متعة"، في إشارة مبطنة إلى ماخور عسكري. بيد أن ناكاسوني، البالغ 88 عاماً، سرعان ما نفى ذلك جملة وتفصيلاً خلال لقائه مع الصحافيين الأجانب الأسبوع الماضي، قائلاً إنه أقام "مركز استجمام"، حيث يمكن لرجاله ممارسة لعبة الطاولة اليابانية. وفي اجتماع يوم السبت مع نظيره الياباني "تارو آسو،" انتقد وزير الخارجية الكوري الجنوبي "سونج مين سون" تصريحات "آبي" الأخيرة التي نفى فيها حدوث العبودية الجنسية، إذ قال: "إن المشاكل حول قراءة التاريخ تُصعب عملية الدفع بالعلاقات بين طوكيو وسيئول إلى الأمام". أما "آسو"، فقال إن اليابان تلتزم بتصريح 1993 الذي تعترف فيه بمسؤوليتها عن العبودية الجنسية زمن الحرب، غير أنه لم يقل شيئاً بخصوص نفي "آبي" لأن يكون الجيش قد أكره النساء الآسيويات على العبودية الجنسية. ــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في طوكيو ــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"