مايكل واينز --------------- إلى متى سيبقى موجابي قابضاً على زمام الأمور في زيمبابوي على رغم التضخم الذي يتفاقم بسرعة هائلة، واليأس الذي يخنق المواطنين العاديين، والكراهية التي تبديها المعارضة والتي تزداد جرأة في التعبير عنها؟ إجابة هذا السؤال جاءت على لسان عضو سابق في حكومة "موجابي" وهي باختصار: إنه سيبقى أطول مما يعتقد أي أحد. " لن يذهب"، هذا ما أضافه المسؤول السابق الذي كان أحد المواليين لـ"موجابي" في البرلمان، والذي لا يزال حتى اللحظة عضواً في حزبه الحاكم. وكان مما قاله أيضاً: "كل شخص يريد منه أن يذهب، وكل عضو في الحزب يتمني أن يذهب، ولكن المشكلة هي من ذا الذي سيتصدى له؟ إنه رجل قوي للغاية". وللتدليل على مدى قوة "موجابي" وخوف هذا المسؤول منه أنه قال: "هل تريد أن تعرف إلى أي حد هو قوي؟.. حسناً اكتب اسمى في جريدتك وبعدها سترى ما سيحدث، والذي يمكن أن يصل إلى حد قتلي...". ويتباهى "موجابي" الذي يحكم البلاد منذ انتهاء حكم البيض قبل 27 عاماً بأنه قد سحق جميع معارضيه، وأن الشعب سينتخبه لفترة ولاية جديدة العام القادم. ولكن هذا التباهي والشجاعة الظاهرية تكذبهما مشاهد الحياة اليومية هنا، ومنها على سبيل المثال مدافع المياه الثلاثة التي أحاطت بها الشرطة استاد كرة القدم الذي كانت تجري فيه مباراة دولية، والتي كانت موضوعة في أماكن وبطريقه تجعلها مهيأة لقمع أي محاولة لإثارة الشغب، هذا إلى جانب النداءات اليومية في محطة الإذاعة الحكومية للشعب بأن "يترك السياسة للسياسيين"، وحملات الدهم التي تشن على المناطق الفقيرة، والتي تقوم فيها الشرطة بفض أي تجمع يزيد على أربعة أشخاص. بيد أن المحللين السياسيين والمنشقين على حد سواء يجمعون مع ذلك على أن الوضع في زيمبابوي، يمكن اختصاره في عبارة قصيرة وهي: المرحلة النهائية. فـ"موجابي" يحكم دولة يسحقها تضخم تبلغ نسبته 1700 في المئة سنوياً، كما يصب عليه الناس جام غضبهم، ويبحث حزبه جاهداً عن وسيله لإجباره على التخلي عن منصبه، بل إن جيرانه في جنوب أفريقيا الذين كانوا عنصر تمكين له لفترة طويلة سيحاولون خلال الاجتماع الذي يجمعهم به في تنزانيا هذا الأسبوع إقناعه بالاستقالة بالحسنى حسبما يقول المحللون. لكن ليس من الواضح كيف يمكن لأي شخص أو جهة أن تقوم بفك قبضة موجابي عن السلطة؟ ففي مقابلة أجريتها هنا مع بعض السياسيين الموالين للحكومة، وبعض قادة المعارضة، وأحد مسؤولي الشرطة السابقين، أعرب الجميع عن اعتقادهم بأن هناك تياراً متزايداً من عدم الرضا في الأجهزة السياسية والأمنية التي تساعد على إدامة نظامه. وعلى رغم أن الكثيرين يعترفون بأن هناك إمكانية لرحيله فإن أياً منهم لم يقل إن هناك عناصر في حكومة "موجابي" لديها الإرادة والقدرة على الإطاحة به -على الأقل في الوقت الراهن. ومن المتوقع أن تقوم الأجهزة التابعة للجبهة الوطنية لحزب "الاتحاد الوطني الأفريقي" الزيمبابوي الحاكم بالتصديق على ترشيح موجابي لنفسه لخوض الانتخابات لمنصب الرئيس في الاجتماعات التي ستعقد يوم الجمعة القادم، على رغم مشاعر عدم الرضا العميقة ضد نظام حكمه. علاوة على ذلك لا يبدو أن الجيش وجهاز الأمن يفكران في التخلي عن، على رغم تردي الأحوال بداخلهما. وسبب استمرار نظام "موجابي" وطول عمره في السلطة ليس سراً، إذ يرجعه مسؤول الشرطة السابق إلى نظام لمنح المكافآت والمزايا من قبل "موجابي" يجعل المسؤولين الحكوميين والحلفاء السياسيين أسرى إحسانه، ويجعلهم يشعرون بأنهم مدينون له بالفضل. في نفس الوقت، توجد لدى أجهزة "موجابي" ترسانة كاملة من التهديدات، وأساليب الانتقام، التي تجعل أي أحد يفكر ألف مرة قبل أن تسول له نفسه الانشقاق عن "موجابي" أو الخروج عن طاعته خوفاً مما يمكن أن يطاله من حرمان من النعم أو تعرض للنِقمْ. علاوة على ذلك تمكن "موجابي" منذ زمن طويل من كسب ولاء قوة ذات شأن، وهي القوة المكونة من رجال حرب العصابات الذين خاضوا معركة تحرير زيمبابوي من البيض في سبعينيات القرن الماضي، وذلك عن طريق منحهم معاشات هائلة وعلاوات مالية وتخصيص أفضل المزارع التي تركها البيض وأكثرها إنتاجية. منذ ذلك الوقت تحول هؤلاء إلى قوة مارقة تلعب دوراً في سياسات زيمبابوي الداخلية، ولا تتورع عن شن الغارات على منازل المعارضين وضربهم وإذلالهم. ولكن الاستيلاء على أراضي البيض ساعد "موجابي" على تحقيق هدف آخر وهو توزيع تلك الأراضي على المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان وضباط الجيش والشرطة مكافأة لهم على ولائهم مع التلميح لهم، بأنهم يمكن أن يفقدوا تلك الأراضي إذا ما خرجوا عن خط الولاء. أما وجهاء القرى وزعماء القبائل التقليدين في المناطق الزراعية، فقد حصلوا على سيارات مجانية مهداة من الحكومة، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء حيث حصل كبار ضباط الجيش والشرطة على هدايا مماثلة مقابل الولاء لـ"موجابي" وجميعهم يعرفون أنهم سيفقدون كل ذلك إذا ما عرضوا أنفسهم لغضب الرئيس. وعلى رغم كل ذلك، فإن هناك الكثير من مظاهر الغضب والاحتجاج التي تتمثل في ظاهرة الهروب من الجيش بسبب تردي الأوضاع بداخلة وعدم توافر الطعام وسوء المعاملة والتعرض لاستغلال الضباط الذين يعمد بعضهم إلى تشغيل المجندين الجدد في مزارعهم الخاصة. ويضاف إلى ذلك نسبة البطالة التي وصلت إلى حد أن من بين كل عشرة زيمبابويين هناك اثنان فقط يعملان بأجور عادة ما تكون ضئيلة. في الأسبوع الماضي قامت قوات الشرطة بتطويق متظاهرين من المعارضة وضربهم بوحشية مما استدعى نقل العديدين منهم للمستشفيات للعلاج. (وهذا الأسبوع قامت الشرطة باعتقال "مورجان تسفاجيراي" زعيم المعارضة البارز قبل أن تفرج عنه بعد أيام). إن كل مواطن من مواطني زيمبابوي لقيته ألمح إلى أن سلطة موجابي قد تكون في الحقيقة مجرد وهم يمكن أن يتهاوى في وجه أي تحدٍّ شعبي حقيقي أو أي تمرد داخل حزبه. أما قوات الجيش والشرطة التي تحميه، فإنها قد لا تترد في إطلاق النار على 200 متظاهر إذا ما صدرت إليها الأوامر بذلك ولكن قيامها بإطلاق النار على 10 آلاف متظاهر أمر مختلف بالتأكيد. ـــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في هراري - زيمبابوي ـــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"