منذ القمة قبل الأخيرة في الخرطوم استمر الوضع العربي في التردي من سيئ إلى أسوأ. من حرب إسرائيل على لبنان والحديث الأميركي عن شرق أوسط جديد على أشلاء الأمن القومي العربي، وخروج العراق عن نطاق السيطرة والعقل وسط أربع حروب تدور رحاها معاً في بلاد الرافدين، إلى لعبة حافة الهاوية وعض الأصابع بين إيران والغرب... على هذه الخلفية المُحتقنة عُقدت القمة العربية التاسعة عشرة، وسط أصعب ظرف تعيشه الأمة العربية، وهذا ما أجمع عليه القادة العرب. ما يزيد المشهد تعقيداً هو أننا كعرب ليست في جعبتنا قوة لنوازن القوى التي تتحكم في مصيرنا، ونفتقد لأهم عنصر وهو قوة الردع. لذلك بقينا طوال العقود الماضية متأثرين ومعتمدين على ردات الفعل، ولم نصل إلى مرحلة التأثير والمبادرة. وضمن هذا المشهد التراجيدي أتت قمة الرياض. ونحن كعرب نجد أنفسنا بين ناري مشروعين؛ غربي مصلحي يهدف لتحويل بلادنا إلى منطقة نفوذ، ومشروع أيديولوجي إيراني يسعى لتحويل المنطقة إلى مسرح للنفوذ والهيمنة لتقوية أوراقه ومكاسبه في منازلة الغرب ولكسب الشارع العربي. ما يلخص حالة المعاناة والضعف التي وصلها العرب هو استجداء القمة السلام من إسرائيل عبر إعادة تسويق مبادرة رفضتها أميركا وإسرائيل قبل خمسة أعوام "كخيار استراتيجي". فيما المطلوب من إسرائيل أن تقدم المبادرات وليس العرب، لأنها الطرف المعتدي. الانكشاف العربي كان واضحاً في تخلينا عن الملفات المعقدة التي تناولتها القمة. وكأننا قررنا الاستقالة من مسؤوليتانا. لا دور للعرب في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحتى المبادرة التي كررناها لم يسأل أحد: ماذا نحن فاعلون إذا رفضتها إسرائيل؟ أما العراق فقد خذلناه وتركناه لمصيره البائس؛ مسرح منازلة بين أميركا وإيران وقوى المقاومة والتطرف والإرهاب واكتفينا بالمتابعة والتصريحات ووضع وصفة من تسع نقاط في القمة لإنقاذ العراق! أما لبنان المنقسم والذي يستمر في البحث عن مخرج لأزمته خارج حدوده، حيث الحل للأزمة اللبنانية يبقى في توافق إقليمي ودولي... فيغيب عنه العرب ولا يلعبون فيه سوى دور المضمِّد والمساهم في إعماره. أما الصومال فقد فضح الوهن العربي حيث كانت القوات الإثيوبية المحتلة تقصف العاصمة مقديشو فيما القادة العرب كانوا يتناوبون على قراءة خطبهم في الرياض. وزاد التآمر على السودان وتم تدويل دارفور وسط إصرار دولي لفرض قوات دولية بالقوة على أكبر دولة عربية قفزاً على سيادة وقرار الدولة. تضاف لحزمة الأزمات الملتهبة هذه، تهديدات الأمن الناعم التي تعاني منها الدول العربية مجتمعة. فهناك الأبعاد التنموية والحاجة لتطوير مناهج التعليم ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح ومحاربة التطرف والإرهاب. في بارقة أمل نادرة، كان الموقف الشجاع من جانب العاهل السعودي الذي حمّل القادة العرب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. وكذلك توصيفه للوضع في العراق، بالاحتلال "غير الشرعي". لقد كرست قمة الرياض رفض العرب لسياسة المحاور والانقسام بين "اعتدال" و"تطرف"، أي المحاور التي ابتدعتها الإدارة الأميركية. يبقى السؤال: هل يحول القادة العرب قرارات القمة إلى برنامج عمل قابل للتطبيق وسط التحديات الصلبة والناعمة التي تواجهنا جميعاً؟ كيف يكمن التصدي لتلك التهديدات؟ وما العمل لتغيير المعطيات؟ هذا هو السؤال الذي لم يسأله أحد!