بعد إلقائه لخطابين قويين مؤيدين لإسرائيل أمام (اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة) "إيباك" أحدهما في "ألينوي" والثاني في واشنطن، تعرض السيناتور "باراك أوباما" لسؤال محرج منذ أسابيع عندما كان يقوم بحملته الانتخابية في "أيوا" التي تعتبر الولاية الأولى التي ستشهد المؤتمر الحزبي الأول لانتخاب مرشحي الحزبين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية القادمة. وكان السؤال الذي وجهه ناشط من ناشطي السلام في الولاية لـ"أوباما" مباشراً وعميقاً حيث قال السائل: "في زيارتي الأخيرة لإسرائيل وفلسطين وجدت أن الواقع الذي يعيشه المسلمون والمسيحيون في الضفة الغربية مختلفاً تماماً عن الواقع الذي تدعيه إسرائيل، وهو ما أشرت إليه في خطابك الذي ألقيته أمام اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة يوم الجمعة الماضي... وإذا ما فرض وانتُخبت رئيساً فكيف ستعالج أزمة حقوق الإنسان، التي يواجهها المسلمون والمسيحيون الفلسطينيون؟" كان رد "أوباما" مباشراً على السؤال، فبعد أن أعاد التأكيد على مركزية العلاقة الأميركية- الإسرائيلية مضي إلى القول: "إذا ما استطعنا تحقيق بعض الحركة داخل القيادة الفلسطينية، فإن ما أود أن أراه بعد ذلك، هو تخفيف بعض القيود المفروضة على تقديم المساعدات مباشرة للشعب الفلسطيني". هذا الرد من جانب "أوباما"، لا يخرج عن إطار السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي، غير أن هذا ليس هو المهم. المهم هو ما تضمنه السؤال ذاته من الإشارة إلى معاناة الفلسطينيين، وهو ما كان يعني ضمناً أن الولاية كانت تريد أن تعلم السيناتور صغير السن، أن الكثير قد تم بالنسبة لهذا الملف منذ أن دعا "هوارد دين" إلى موقف أميركي أكثر توازناً في مفاوضات السلام عام 2004، وعندما قام السيناتور "جون كيري" في نفس العام أيضاً بانتقاد الجدار الإسرائيلي الممتد في الضفة الغربية، وأن عليه أن يقوم بدوره هو الآخر. القصة لم تنتهِ هنا لأن السؤال تم توجيهه في "أيوا" تحديداً، وأهل "أيوا" كما هو معروف يأخذون الأمور السياسية بجدية ويعرفون تمام المعرفة أنهم أول من ستتاح لهم الفرصة لطرح الموضوعات والأسئلة، التي تحتاج أميركا كلها إلى معرفة إجابتها. وأنا شخصياً أرى أن أهل "أيوا" قد ذاكروا دروسهم جيداً، وأنهم قد أصبحوا ملمِّين تماماً بكافة الأمور، التي تهم أميركا بما في ذلك الشرق الأوسط. يذكر هنا أن أهالي "أيوا" قد تمكنوا منذ عام 1988 من صياغة برنامج يدعم حقوق الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في وطن من خلال وسائل سلمية يتم التفاوض بشأنها بواسطة ممثلين من اختيار كل شعب من الشعبين، وهذا الموقف أو البرنامج كان يتم التأكيد عليه وتكراره كل أربع سنوات عند إجراء الانتخابات، واستمر ذلك حتى انتخابات 2004، التي أيد أهل الولاية فيها بالإجماع تقريباً جميع الجهود السلمية الرامية لضمان السلام لإسرائيل ولإقامة دولة فلسطينية مستقلة. لذلك لم يكن مثيراً للدهشة هذا العام أن تقوم مجموعة من سكان "أيوا" بالاستجابة للمحاولات الرامية لإرهاب السيناتور "أوباما" من خلال توجيه خطاب مفتوح إليه ورد فيه: "لقد لاحظنا بقلق عنف الانتقادات التي تعرضت لها، ونود أن نقول لك إن حملتك الانتخابية تدور حول نوع جديد من السياسة يقدم أملاً للأميركيين الراغبين في قيادة شجاعة وأخلاقية، ونحن نشكرك جزيل الشكر إذا ما قمت بمد نطاق هذا الموقف بحيث يشمل صراعاً افتقر تاريخياً إلى الرؤية والاهتمام والقيادة الأميركية... ونحن في أيوا دعونا طويلاً إلى سياسة خارجية تعكس قيم أميركا والتزامها بالعدل والسلام، ولا نشك في أن تعاطفك ودعمك لموضوع إنشاء دولة فلسطينية وضمان أمن إسرائيل سيتسق مع الفرضيات التي آمنَّا بها لسنوات طويلة". لقد كان من المهم جداً أن تستجيب تلك المجموعة من ناشطي السلام في "أيوا" على هذا النحو، لأن الأمر كان سيكون مأساوياً إذا ما كان قد تم إسكات السجال فائق الأهمية حول موضوع الشرق الأوسط، لأننا في تلك الحالة كنا سنعاني من عدم وجود نقاش معمق لدور الولايات المتحدة في الصراع العربي- الإسرائيلي خلال هذا السباق الانتخابي برمته. لقد كان من المهم، في نظري دائماً، أن يتم إشراك كل هؤلاء الذين يتطلعون إلى قيادة الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع التي ستلي عام 2008، في مناقشة مفتوحة مع فئات الشعب الأميركي بشأن الكيفية التي سيقومون بها بإدارة سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لذلك فإنني أتقدم بجزيل الشكر لنشطاء السلام في "أيوا" الذين واجهوا المرشحين، ودعوهم للتحدث عن الشرق الأوسط وإلى إرسال رسالة واضحة مؤداها أن الاستعداد للانخراط في نقاش محترم عن الشرق الأوسط، هو أمر نحتاجه بشدة في سياق السباق الانتخابي الحالي.