افتتح أول من أمس السبت معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السابعة عشرة، بمشاركة دُور نشر وعارضين من عشرات الدول، وبحضور مئات الشخصيات الثقافية العربية والعالمية. وما يتوقع أن تحققه هذه الدورة من نجاحات يمكن استشرافه من الآن بحُكم الجدية ومنطق الإنجاز اللذين يميزان دائماً طريقة عمل الجهة المنظِّمة وهي "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث"، والجهة المتعاونة معها وهي معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. ويتزامن مع المعرض اليوم (الاثنين) تكريم الفائزين بـ"جائزة الشيخ زايد للكتاب"، في دورتها الأولى، وهي الجائزة الأرفع قيمة معنوياً ومادياً في مجال صناعة الكتاب. كما أن الفائزين بها لهذا العام هم كوكبة من المبدعين، وممن كان لهم إسهام كبير وملموس في المجالين الفكري والإبداعي على مستوى الثقافة العربية عموماً. كما تتجسد كذلك النقلة النوعية التي تميز الدورة السابعة عشرة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب أيضاً من خلال تنظيمها في مركز أبوظبي الجديد للمعارض، حيث تبلغ المساحة الكلية للمعرض 13464 متراً مربعاً. وتتجسد كذلك من خلال الفعاليات الثقافية المصاحبة من ندوات وأنشطة فنية كافتتاح معرض "تحية إلى الشرق" الذي يضم أكثر من مئة من عيون الأعمال الفنية الاستشراقية. وليس من المبالغة القول إن ما تشهده العاصمة أبوظبي من مشروعات وإنجازات في مجال العمل الثقافي، وفي مجال التنمية الإنسانية عموماً، كفيل بتحويلها إلى قطب جذب ثقافي وإبداعي حقيقي. فبعد إيجاد أطر رصينة للتعاون والتبادل الثقافي مع أرقى متاحف العالم، ومع كنوزه الحضارية والإنسانية، وبعد استقطاب بعض أعرق الجامعات العالمية وافتتاح فروع لها، وبعد ضخ كل هذه الجرعة من الدعم السخي، التي لا سابق لها في المنطقة العربية، على الجوائز المحفزة على الإبداع محلياً وعربياً، بعد كل ذلك تكون جميع شروط النجاح والتألق الثقافي قد اكتملت، ولم يبق سوى أن ينهض المبدعون والمثقفون الإماراتيون والعرب، بما هو منتظر منهم من تحليق في سماء الكلمة المُبدعة، والفكر الخلاق. فالكُرة الآن، في مرمى المشتغلين في مجال العمل الثقافي. ومفهومٌ أن مشروعات أبوظبي في ميدان التنمية الثقافية تأتي في وقتها، وفي محلها تماماً، وذلك لخلق مشهد ثقافي عربي جديد وللخروج من الواقع الثقافي العربي المُزري الذي كشفته تقارير التنمية الإنسانية العربية المتتابعة خلال السنوات الماضية، والذي طالما اشتكى المثقفون العرب منه مُرَّ الشكوى، بل والذي ما فتئوا يرسمون له باستمرار أشد الصور تشاؤماً وأكثرها سوداوية. فمَنْ يصدِّق أن كل هذه الدول العربية الـ22 الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وذات التاريخ الثقافي المُدوَّن والعريق والممتد لآلاف السنين، وذات الإمكانيات المادية الهائلة، لا تنتج مع ذلك سنوياً سوى 8 آلاف عنوان، وبالكاد، ومعظمها -كما يمكن أن نتوقع- في فنون الطبخ والأبراج؟ إن الحفاظ على مقومات ومناحي ثقافتنا المحلية والعربية الأصيلة، وصيانتها ومدها بكل سبل البقاء والنماء، هي ما تعمل استراتيجية أبوظبي للتنمية الثقافية على تكريسه ودعمه، عبر محاور عديدة وخطط ومشروعات متوازية. تماماً كما أن الانفتاح الثقافي على الآخر، وعلى فكره وإبداعه، واستلهام ما يخدم مشروعاتنا الثقافية منهما، ببصيرة ومنهجية، يكمل الطرف الآخر من هذه المعادلة، المُشرعة على تباشير غد مُشرق، ومشهد ثقافي مُتألق.