طرزت المشاريع العقارية الاستثمارية وجه دولة الإمارات من إمارة الفجيرة وحتى أبوظبي، طفرة بدأتها دبي بمشاريع عملاقة فتحت الأبواب على مصراعيها لاستقطاب أموال مهاجرة محلية ودولية واستثمارها في مشاريع عقارية مبهرة في دبي، تسارعت الموجة العقارية وبعد أن شهدت الدولة طفرة عقارية استدعت بالضرورة تدفق المزيد والمزيد من العمالة الوافدة الرخيصة لتغطي النقص والحاجة للأيدي العاملة. نجاح دبي كان سابقة انتشرت على أثرها الشركات العقارية في باقي الإمارات لتتنوع استثماراتها وإبداعاتها، وانتقلت بعد ذلك للدول الخليجية المجاورة مشاريع عقارية واستثمارية. ورشة بناء كبيرة امتدت من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى باقي دول الخليج، فالتسهيلات الممنوحة كبيرة والعقار دائماً استثمار مضمون فلا أسهم تتقافز صعوداً وهبوطاً ولا أموال تتبخر في لعبة أثبتت الأيام لصغار المستثمرين قذارتها. نجاحات اقتصادية استدعت تركيز الأضواء على ما يجري، فالقادمون إلى أرض الإمارات من كل مكان. ضجيج الأغراب يملأ الآفاق، وقانون العمل الإماراتي الصادر عام 1980، يحمل ملامح حقبة ماضية، كان ولابد أن تتم مراجعته وإعادة صياغة مواده، فكان أن أصدرت وزارة العمل مقترحاً لقانون العمل الجديد. استكمالاً لحديث لم ينتهِ في مقال سابق ولن ينتهي، أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأسبوع الماضي وخلال أقل من أربعة أشهر على إصدار تقريرها "بناء الأبراج وخداع العمال: استغلال عمال البناء المهاجرين في دولة الإمارات العربية المتحدة" إضافة إلى تقريرها السنوي الذي ألقينا الضوء على أبرز ما جاء فيه في المقال السابق، أصدرت المنظمة تقريراً من 16 صفحة يحمل عنوان: "مقترح قانون العمل الإماراتي: تعليقات وتوصيات منظمة مراقبة حقوق الإنسان"، انتقدت فيه المنظمة مشروع قانون العمل الجديد في الإمارات واصفة إياه بأنه "لا يرقى إلى مستوى حقوق العمال الدولية". وقد أثنت المنظمة على الخطوة غير المسبوقة التي تبنتها وزارة العمل في وضع مقترح قانون العمل الجديد على الإنترنت باعتبار أن "القانون ركيزة أساسية يبنى عليها سوق العمل، وأن الفرصة ستتاح لكل فرد للمشاركة فيه". كما جاء على لسان وزير العمل الدكتور علي الكعبي عند إطلاق الوزارة للموقع الإلكتروني المخصص لعرض بنود وتفاصيل مشروع قانون العمل الجديد، مشيراً إلى أن الاستفتاء على الإنترنت يعطي أصحاب العمل والعمال الفرصة لطرح ملاحظاتهم من أجل خلق توازن بين الطرفين. ملاحظات "منظمة مراقبة حقوق الإنسان" على مقترح قانون العمل الجديد يمكن تلخيصها في النقاط التالية: حق العمال في التنظيم والتفاوض الجماعي، الحق في الإضراب، بتعديل استثناء المادة الرابعة من قانون العمل التي استثنت بعض الفئات من انطباق قانون العمل والمتضمنة فئة العمالة المنزلية، كما اشتمل التقرير على ملاحظات حول القيود المفروضة قانونياً على قدرة النساء على الوصول إلى الوظائف الليلية والأعمال الشاقة، إضافة إلى إشارته لتناقض حول العمر الأدنى لعمل الأطفال، ودعت المنظمة إلى فرض عقوبات صارمة بغية توفير رادع فعال لمخالفات أصحاب العمل، إذ أن الغرامات الحالية ليست سوى عقوبة بسيطة بالنسبة لأرباب العمل. يحظر قانون العمل الحالي المعمول به في الإمارات تشكيل النقابات العمالية، ولا يعطي العمال حقوق التفاوض الجماعي مع أرباب العمل، وتؤكد المنظمة في تقريرها على حق العمال في التنظيم وإنشاء النقابات العمالية وفق المعايير الدولية. وتعرف المادة (155) من مقترح قانون العمل منازعات العمل الجماعية، وتبحث المواد التالية الآلية المتبعة في فض المنازعات الجماعية وتحظر المادة (162) التوقف الجزئي أو الكلي عن العمل أو إغلاق المنشأة بسبب أو أثناء منازعات العمل الجماعية. ويوصي التقرير بتعديل المواد من (155) إلى (166) بما يكفل للعمال حرية تشكيل النقابات والحق في الإضراب. ويوصي التقرير إلى أن يشمل قانون العمل خدم المنازل، وذلك بدلاً من الاكتفاء بالاعتماد على عقد الخدم الموحد الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية، مشيراً إلى أن خدم المنازل الخاصة فئة شديدة التعرض إلى الاستغلال. لاشك أن جهود دولة الإمارات واضحة في مجال تنظيم وتحديث تشريعاتها، ولاشك أن تحديث مواد قانون العمل من أهم القضايا التي يجب أن تناقش مجتمعياً لحماية كافة الحقوق والمصالح لأصحاب العمل والعمال على حد سواء، وفي ظل حقيقة أن العمالة الوافدة تشكل ما يزيد على 90% من قوة العمل في دولة الإمارات، فنحن معنيون بقانون العمل الاتحادي كأحد طرفي المعادلة، لكن وبالنظر إلى ملاحظات وتوصيات منظمة مراقبة حقوق الإنسان نجدها تنصب على العمالة الوافدة رغم أن قانون العمل ينطبق على جميع الفئات بما فيها مواطنو دولة الإمارات العاملون في القطاع الخاص. ومع حقيقة أن عمال البناء يشكلون الغالبية العظمى من العمالة الوافدة الرخيصة في ظل الفورة العمرانية إلا أنهم يظلون الجزء وليس الكل، والدول غالباً ما تنظر في مصلحة مواطنيها عند إقرارها للقوانين المنظمة مع الحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية. هناك حقائق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أولها خصوصية مجتمع الإمارات لناحية اختلال التركيبة السكانية وسقف الحريات المتاحة وعدم وجود مجتمع مدني فاعل، فهل يعقل أن يقر القانون إنشاء النقابات العمالية للعمالة الوافدة، مع ملاحظة أن النقابات العمالية سرعان ما يتم تسييسها، وهي ستكون بالضرورة انعكاساً لمصالح جهات خارجية وهي معادلة يصعب إقرارها أو قبولها في المرحلة الحالية من عمر دولتنا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، جاء مشروع قانون العمل الجديد متوافقاً مع القوانين والتشريعات الاتحادية إذ يعتبر الإضراب جريمة وفق قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لعام 1987 إذ تقضي المادة (231) من القانون بأنه "إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين العاملين عملهم أو امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك... عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تتجاوز سنة". وكذلك بالنسبة للتجمهر إذ نص القانون الاتحادي رقم (34) لسنة 2005: "يعاقب بالحبس أو الغرامة كل من اشترك في تجمهر لمنع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح، وكان من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وأمر رجال الشرطة المتجمهرين بالتفرق فعلموا بالأمر ورفضوا إطاعته أو لم يعملوا به". وبالرغم من ذلك فقد شهدت الدولة إضرابات عمالية متكررة عملت الجهات الحكومية على احتوائها وسخرت أجهزة حكومية في وزارة العمل وإدارات الشرطة للتعاطي معها سلمياً، مع ملاحظة وجود جملة من الانعكاسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية على الإضرابات العمالية المتكررة أخطرها أنها تمنح أرضية لجهات خارجية للتدخل وإبداء الملاحظات والإساءة لسمعة دولة الإمارات في المحافل الدولية، وقد ذكرت المنظمة أنها "تهدف من وراء إصدارها تقريراً ثانياً عن العمالة في الإمارات في غضون خمسة أشهر إلى جعل الدولة نموذجاً يحتذى به على مستوى المنطقة بخصوص الاهتمام بأوضاع العمالة".