تواجه الولايات المتحدة وروسيا أخطاراً وتحديات عديدة تتطلب تعاوناً لأن أياً من الدولتين لا تريد أن تشاهد انتصار التطرف ولا انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو تفاقم الصراعات الإقليمية، أو انتشار عدم الاستقرار والعنف. والأمر الجدير بالذكر خصوصاً في هذا العام الذي يوافق الذكرى المائتين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، هو أننا لا نتقاسم الاهتمامات المشتركة فحسب، ولكننا أيضاً نتقاسم القيم المشتركة إلى درجة أكبر بكثير مما يريد البعض أن يعترف به. ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن هذه العلاقات وعلى امتداد هذه المدة الزمنية قد شهدت العديد من التقلبات صعوداً وهبوطاً. فقد شهدت تلك العلاقات هبوطاً عندما وقفت روسيا إلى جانب المستعمرات الأميركية في "الحرب الثورية"، وصعوداً عندما خضنا الحرب العالمية الثانية كحلفاء، قبل أن تشهد هبوطاً مجدداً بعد ذلك عندما وقف البلدان في مواجهة بعضهما بعضاً كخصمين لدودين في الحرب الباردة، وقد راح كل واحد منهما يوجه رؤوس صواريخه نحو الآخر لقرابة نصف قرن. غير أن ما يتعين قوله مع ذلك هو أن البلدين نجحا في إيجاد وسائل براجماتية من أجل تجنب وقوع كوارث لهما أو للجنس البشري برمته خلال تلك الفترة. ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، مرت روسيا بتحولات جوهرية انعكست على طبيعة التعامل مع الولايات المتحدة إلى درجة أصبح يسوغ معها القول إن الدولتين تتعاملان الآن مع بعضهما بعضاً بشكل وثيق، وبطرق لم يكن من الممكن تخيلها منذ 15 أو 20 عاماً خلت. بيد أنه يتعين علينا الاعتراف مع ذلك بأن العلاقة بين موسكو وواشنطن الآن تفتقر إلى السلاسة. وعلى تعقيدات رغم تلك العلاقة التي مرت بفترات صعبة أثناء الحرب الباردة، إلا أن المفارقة في هذا السياق، هي أن التعامل بيننا الآن كشركاء وأصدقاء ليس أقل صعوبة مما كان عليه إبان سنوات تلك الحرب. إن للروس تقاليد عريقة في الاستقلال.. وبنفس القدر الذي نحترم به الأسلوب الأميركي في الحياة، فإننا لا يمكن أن نسمح للآخرين بأن يقرروا لنا سياساتنا الداخلية والخارجية. فروسيا شأنها في ذلك شأن أية دولة أخرى ذات سيادة تريد أن تتخذ هذه القرارات بنفسها استناداً على مدركاتها ومصالحها وأولوياتها. وأقول بصراحة إنه إذا ما كان ثمن صداقتنا مع أميركا أن تحب روسيا كل شيء تحبه أميركا وتكره كل شيء تكرهه.. فإن ذلك لن يثير شيئاً لدينا سوى مشاعر الغيظ . ويجب على أميركا أن تعرف أن مشاعر الاهتمام الشديد بكل ما تقوله، والتي كانت سائدة في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، لم تعد موجودة لدينا الآن. والشيء الذي يبعث على الانزعاج أكثر من غيره هو ذلك الاتجاه السائد في النقاش العام في الولايات المتحدة، والذي يميل إلى توجيه إصبع الاتهام نحو روسيا في كل حدث من الأحداث التي يظن أن لها علاقة بها. تذكروا في هذا السياق السرعة التي راح بها كل شخص -دون أن يتم حتى فحص الأدلة- يهاجم روسيا بعد حادث التسميم بمادة "البولونيوم" الذي تم في أحد مستشفيات لندن لعميل سابق في الـ"كي.جي.بي". ففي لحظة واحدة، تمت إعادة تخليق صورة روسيا الدولة الاستخبارية التي يلعب فيها الـ"كي.جي.بي" دوراً رئيسياً. ونفس هذه المنهجية في التعامل القائمة على مبدأ "وجِّه الاتهام أولاً ثم تحقق من الأدلة بعد ذلك" تم استخدامها لتوجيه الاتهام لروسيا في حوادث اغتيال صحفيين هما "آنا بوليتكوفسكايا" و"بانكر أندريه كوزلوف". وهؤلاء الذين وجهوا اتهاماتهم لروسيا في الحادثين لم ينتبهوا لحقيقة أن الروس أنفسهم قد صدموا بهذه الحوادث بنفس القدر الذي صدم به الغرب. علاوة على ذلك فكثيراً ما تتهم روسيا بممارسة سياسات إمبريالية في مجال الطاقة، بمعنى استخدام صادراتها من النفط والغاز كأداة من أدوات سياستها الخارجية.. في حين أن الحقيقة هي أن روسيا الآن، بل حتى أيام الاتحاد السوفييتي، لم تخل بالتزاماتها بشأن توريد الطاقة للعملاء الذين يدفعون قيمة فواتيرهم بالكامل. وعلى العكس من الاتهامات التي وجهت إلينا، فإن الحقيقة هنا أننا قد زودنا الأوروبيين وأي دول مستهلكة أخرى، بكل قدم مكعب من الغاز الطبيعي وبكل برميل من براميل البترول تم التعاقد عليه. أما فيما يتعلق بأوكرانيا وبيلاروسيا فإن المشكلة تكمن في أننا نتحرك الآن نحو تطبيق آليات السوق، أي ترك الأسعار تتحدد بناء على قواعد العرض والطلب، وهو ما دفعنا إلى تغيير الأسعار المدعومة التي كنا نقدم بها الطاقة لهاتين الدولتين من أجل دعم اقتصاديهما. فما الخطأ في ذلك؟ هل طلب أحد من أميركا مثلاً أن تبيع بضائعها بأسعار مدعومة لدول صديقة لها مثل كندا والمكسيك أو لدول مُعادية مثل كوبا؟ إن هدفنا من التعديلات الجديدة على الأسعار التي نبيع بها الطاقة لأوكرانيا وبيلاروسيا هو وضع قواعد ثابتة ومحددة للتعامل مع جميع الدول على قدم المساواة، وليست للأمر علاقة بانتهاج سياسات إمبريالية في مجال الطاقة، بهدف دعم السياسات الخارجية لروسيا كما يذهب إلى ذلك البعض. لقد مضت سنوات عديدة منذ أن توقفت روسيا وأميركا على أن تكونا متعاديتين.. ومع ذلك فإننا نجد -للأسف الشديد- أن الاتهامات والتنازع قد أصبح أسهل علينا اليوم من عمل الأشياء الإيجابية. ويجب علينا لذلك أن نتعلم كيف نكون أصدقاء وكيف نتعاون معاً في عالم اليوم القائم على الأخذ والعطاء والتفاهم والتعاون، وليس العكس بطبيعة الحال. يوري أوشاكوف ــــــــــــــــــــــــــــــــــ السفير الروسي لدى الولايات المتحدة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"