قد لا يصدق الإنسان أنه وفي 14 مطاراً أميركياً، تم تدريب وتوزيع عناصر من الشرطة المغاوير المسلحين بـ"الطبنجات" و"الغدارات" و"الخناجر"، لمسح المسافرين ودراسة وجوههم، وحسب "خرائط" الوجوه يتم فرز الناس واعتقالهم! بذلك تحولت أميركا إلى بلد شرق أوسطي بوليسي! لا تختلف عن دول في منطقتنا بشيء... في نكسة إلى أيام المماليك البرجيين... وقصة دراسة الوجوه تأتي من رجل أمريكي اسمه "باول إيكمانPaul Ekman، يشبه "نوستراداموس" في التنبؤات الخرافية، فهو يزعم من خلال دراسات عكف عليها، أنه يعرف الروح ومحتوياتها، والدماغ وتقلباته، بلمحة واحدة إلى تقاطيع قسمات الوجه. وهو يذكر بعقيدة "الفيرونولوجيا" التي لمعت في القرن التاسع عشر، حين ظهر فريق من علماء النفس المغامرين الذين زعموا أنهم يعرفون شخصية الإنسان بمجرد تمرير اليد على الجمجمة وتعرجاتها ونتوءاتها! ثم بدا للعيان أنها تشبه من ينظر إلى المحيط ويسأل: أين توجد الدرر؟ ولكن في الجنون الأميركي (البارانويا)، أصبح الميدان مفتوحاً لكل من يزعم أنه يكشف عن الإرهابيين وفصائلهم، بدراسة سيميائية لحركات الوجه؛ فبعد أن أدخلت أميركا الرعب إلى العالم تسلل الفزع إلى مفاصلها، أو كما يقول المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت. وتعود قصة ذلك البروفسور المهووس (72 عاماً) إلى أربعين عاماً، حين درس تعبيرات الوجه وعلاقتها بالعواطف الداخلية، وكانت البداية بين قبائل "كوكوكو Kukuku" في جزر "بابوا Papua" من غينيا الجديدة، حيث وصل إلى معلومتين: تقول الأولى إن تعبيرات الوجه تحمل بصمة العواطف، وهنا قام الرجل بوضع "أطلس" للتعبيرات زاعماً أنها 43 نوعاً، مرتبطة بعضلات الوجه، وما تحمل من آلية شد وارتخاء. وأن هذه الأفعال من الوجه تمنح بمزجها، كما في مزج حروف اللغة، ما يعادل عشرة آلاف تعبير، تصل بعد غربلتها إلى ثلاثة آلاف تعبير، وتظهر على شكل عواطف واضحة. وفي الأطلس الذي استقطبته شركة "ميكروسوفت"، نرى قسمات لخمسة أشخاص، بحركات وجه مختلفة، يمكن قراءة وتمييز خمسة تعبيرات بين "الدهشة" بعيون مفتوحة، أو "الفرح" بثغر باسم، أو "الغضب" بفم مزموم وتقوس داخلي للحاجبين، أو "القرف والاشمئزاز" بميل أحد الشفتين للأعلى، أو "الحزن" بتقبض زوايا أجفان العيون العلوية للأعلى، مع تهدل زوايا الفم للأسفل... والأمر الثاني أن تبدل القسمات صفة إنسانية، سواء عند قبائل "الزولو" أو قائد ثوري في جمهوريات الخوف والبطالة، أو عند بوش و"محافظيه الجدد". يقول "إيكمان" إنه كان يراقب نفسه وتعبيراتها، من خلال القسمات، وهو منتصب أمام المرآة، في محاولة للربط بين عوالم الضمير وعضلات الوجه، فإذا استعصت عليه رسمة وجه، قام بتحريض العضلات الموافقة بنافض كهربي، حتى يرتسم على الوجه التعبير المتطابق مع الشحنة العاطفية. ومن ذلك الأطلس، نقرأ رقمي 6 و12 اللذين يرسمان فرحة الوجه، من خلال تقلص عضلات العين، وتحريك عظام الوجنة، مع جر عضلات زاوية الفم للأعلى. أما مجموعة أفعال الرقمين 2 و4 فترسم معالم الفزع على الوجه. في كتاب سميك يضم 500 صفحة من لغة الجسد وقسمات الوجه، يقول "إيكمان" إن الوجه بتعبيراته هو نافذة الروح، وأن دراسة "ميكانيك" المشاعر يمكن تتبعها مثل كرة الجولف، وأن الوجه بريء يعبر بصدق عن محتويات النفس ووضعها، قبل أن يتداركها الإنسان (بوعي) فيطمر ما طفا على الوجه. وإن استطاع الإنسان أن يلتقط بسرعة كافية، الإشارة المرسلة قبل أن يكتمها صاحبها، أمكنه فهم ما يحدث في الضمير على وجه الدقة. وبالطبع فهذه الأساليب من مخابرات الأنظمة الثورية العربية، أثارت غضب جماعات حقوق الإنسان، لكن أميركا تتحول هي أيضاً اليوم إلى دولة عربية ثورية! والتاريخ يقول إن غلالة قشرة الحضارة رقيقة، والنكوص سهل، والانحطاط بسيط، والتراجع هين، وسقوط الطائرات لا يحتاج طاقة، لكن صعودها يحتاج عزماً، كما هو حال الحضارة... وأميركا اليوم توشك أن تصبح دولة بوليسية تخسر حرياتها التي كسبتها في قرنين...