إن المحللين الذين ظلوا يعتقدون حتى وقت قريب، بأن الحركات التصحيحية التي تعرضت لها سوق الأسهم المحلية أفرزت عدداً من المعطيات الإيجابية، من ضمنها انحسار موجة المضاربة، وارتفاع مستوى الكفاءة والواقعية في أداء السوق، بدؤوا يعيدون حساباتهم مجدداً، في ظل هجمة المضاربين في السوق مؤخراً، مستغلين موجة التفاؤل التي تسود أوساط المستثمرين في المرحلة الحالية، والتي تزامنت مع إفصاح الشركات عن أوضاعها المالية عن السنة المنصرمة، رغم أنها لم تنطوِ على أشياء خارج التوقعات، ما يؤكد أن جيوش المضاربين، وإن انسحبت من قاعات التداول مؤقتاً، إلا أنها لا تزال ترابط عن قرب، مع ملاحظة عدم تغيير استراتيجياتهم وتكتيكاتهم لتتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية، من حيث الانخفاض النسبي في مستوى السيولة المتوافرة بين أيدي المستثمرين والمضاربين، كما تراجع مستوى الثقة إلى المستوى الذي دفع بالمضاربين، كباراً وصغاراً، إلى تركيز مضاربتهم على شركات معدودة، بينما لا تتجاوز فترة الاحتفاظ بأسهم هذه الشركات على أحسن الأحوال يومين فقط، تتبعها عمليات بيع محمومة على هذه الأسهم بهدف جني أرباح سريعة، وهو ما يبرر كثرة وسرعة التقلبات التي تشهدها الأسواق خلال الفترة الحالية، حيث يبقي باب التأرجح مفتوحاً خلال الفترة القريبة المقبلة، وفقاً لأكثر السيناريوهات واقعية. ورغم أن المضاربات عادةً ما تلعب دوراً مهماً في أسواق الأسهم العالمية الناضجة، التي يتسم جميع المتعاملين فيها بالرشد وينظرون إلى القيم الحقيقية للأسهم، فإن عمليات المضاربة في السوق المحلية تأخذ بعداً فوضوياً، متجاهلة الآثار بعيدة المدى، والتي يمكن أن تضر بالمضاربين أنفسهم، حيث كانت أحد الأسباب الرئيسية في الهزات العنيفة التي لا تزال تعيش السوق تبعاتها. إن البعد الفوضوي الذي اتخذته عمليات المضاربة، والوعي الاستثماري الغائب لدى الغالبية الساحقة من المستثمرين والمضاربين، وصغر حجم الاستثمار المؤسسي طويل الأجل المبني على أسس اقتصادية وعلمية، وتركز التداول على أسهم شركات محدودة دون غيرها، وضعف الفرص المتاحة للتنويع، ومحدودية الأدوات المالية المستخدمة واقتصارها على الأسهم والسندات القليلة، وضعف الهياكل التنظيمية والتشريعية والمؤسسية، ومحدودية الدور الذي يقوم به الوسطاء، جميعها سمات تحدّ من كفاءة أسواق الأسهم المحلية وتجعلها عرضة لسلسلة من التقلبات الحادة والمفاجئة، وغير المبررة في أغلب الحالات، كما تطيل من فترة المراهقة التي تعيشها السوق المحلية حالياً، وتعوقها في مسيرة الوصول إلى مرحلة النضج واللحاق بركب الأسواق العالمية العريقة، بل وحتى الناشئة منها. إن "طواحين الهواء" التي تعجّ بها سوق الأسهم المحلية تمثل خطراً حقيقياً على استقرار هذه السوق، وإن مدى نجاح الجهات المعنية في تحرير هذه السوق من قبضة المضاربين أصحاب هذه الطواحين، سوف يحدد مستقبل هذا السوق، الذي يشكل المضاربون فيه أكثر من 85% من مجموع المتعاملين، الذين تجاوز عددهم في مرحلة من المراحل 650 ألف مضارب، حيث استطاع هذا العدد الكبير من المضاربين أن يخلق ثقافة مالية جديدة تعزز تحمّل المخاطر العالية لتحقيق الكسب السريع، في ظل انحسار قاعدة من المستثمرين الموضوعيين، ذوي الأفق الاستثماري متوسط إلى بعيد الأمد، الذين تُبنى قراراتهم الاستثمارية على مؤشرات واقعية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية