اللقاء الذي نشرته صحيفة "السياسة" الكويتية مع العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وضع كثيراً من النقاط على الحروف، إذ لم يعد خافياً الآن بأن هناك تململاً خليجياً من السياسة الإيرانية في المنطقة. العاهل السعودي تحدث بشفافية منقطعة النظير. الشحن الطائفي حقيقة واقعة في العراق، وإيران مخطئة في تغذية الاحتقان المذهبي, وما يحدث ببلاد الرافدين أمر في غاية الخطورة، ولا نستبعد أن تنتقل شرارة ذلك الاحتقان إلى دول الجوار. وبكل تأكيد، الشحن الطائفي لا يمارسه بعض الشيعة فقط، وإنما تمارسه أطراف سنية أيضاً، وبالتالي علينا مواجهة الأطراف كلها والتنبيه إلى خطورة الورقة الطائفية. والخوف هو من أن نكرر أخطاء الماضي؛ فبالأمس وقف البعض مع نظام "طالبان" وأمده البعض بالشباب والمال، وكان الموضوع الديني هو المحرك، وهذا له تبعاته التي ندفعها اليوم. الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائد محنك، ونحن على قناعة بأنه يريد تجنيب المنطقة تجربة الإكتواء بحرب مذهبية كريهة، بل يسعى إلى أخذ الحيطة لمنع انتشار بذرة الطائفية. في دول الخليج عاش الخليط السني والشيعي بوئام تام منذ أقدم العصور الإسلامية، وهم في نهاية الأمر مواطنون يتبعون لدولهم وليس لإيران، وعلينا أن نلتفت إلى أخطاء الماضي ونتعلم منها ولا نريد أن تتكرر اللعبة الدينية مرة أخرى. المملكة العربية السعودية لديها كثير من الأوراق وهي في غنى عن الورقة الطائفية؛ فهي دولة قائدة في كثير من قضايا المنطقة, ويكفي أن نتذكر مبادرة الملك عبدالله نفسه خلال لقاء القمة في لبنان, فقد كانت مبادرة شجاعة، وإن لم تحظ بالفهم الذي يناسب سياقها السياسي من الطرف الأميركي. ولما كانت المملكة العربية السعودية أحد المكونات الأساسية لحلف الاعتدال، فهي عليها مسؤولية في التفاهم مع الحليف الأميركي ضمن رؤية جديدة قائمة على مصالح المنطقة بالدرجة الأولى. والحليف الأميركي يجب أن يفهم بأن نشر فكر الاعتدال بحاجة إلى واقعية سياسية وليس إلى تصريحات هنا وهناك, بمعنى آخر عليهم أن يعوا بأن حلف الاعتدال لم يجر التعامل معه حتى الآن بشفافية كافية، مما دعم التشدد الذي تقوده إيران. حلف الاعتدال يجب أن يحل خلافاته الداخلية وأن يوحد وجهة نظرة حيال القضايا الساخنة وأن يدخل في حوار جاد مع الولايات المتحدة الأميركية حول أهمية إبداء واقعية جديدة في التعامل مع الحلفاء. الدول العربية عجزت عن أن تجنب الصومال ويلات الحرب والخراب، بل لعب البعض دوراً مسانداً أحياناً, لتأتي أثيوبيا وبإيعاز أميركي, وتدخل بقواتها وتحل "المحاكم الإسلامية"... فالحليف الأميركي إذن لم يضع ثقة كافية حتى الآن في حلف الاعتدال وقدرته على حل النزاعات القائمة، ومن ثم لجأ إلى الحليف الأثيوبي. في لبنان فشلنا في احتواء الصراع، كما فشلنا في الحيلولة دون غزو الكويت, مما يعني أن النظام العربي لم يعد له ركائز بل فقد مصداقيته ولن يمكنه التحرك إلا من خلال رؤية جديدة تتسم بالواقعية وتبتعد عن المجاملة التي عطلت كثيراً من المبادرات لحل نزاعات المنطقة العربية. حديث خادم الحرمين الشريفين حذر من فتح باب الطائفية، بقدر ما سعى إلى التنبيه على خطورة الورقة المذهبية، ونحن نقدر للمملكة دورها ونتمنى أن تبادر في أخذه بأكثر فعالية، خصوصاً وأن المتغيرات الأمنية لها اعتبارها الجوهري، وأن أمن الخليج لم يعد محكوماً بظروفه القديمة، ومن ثم فعلينا أن ننظر في كل الاتجاهات لصياغة معادلة أمنية جديدة.