ثمة تأييد متزايد في واشنطن لفكرة إجراء زيادة مهمة ودائمة في حجم الجيش الأميركي. وفي هذا الإطار، أقر الرئيس جورج بوش، خلال خطاب "حالة الاتحاد" يوم الثلاثاء الماضي، بأن الجيش وقوات "المارينز" "مجهدَان" جراء العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، قبل أن يعرب عن دعمه لتوصيات وزير الدفاع "روبرت جيتس"، والتي دعا فيها هذا الأخير إلى تعزيز صفوف الجيش و"المارينز" بـ92000 جندي جديد. كما أعرب بعض الزعماء "الديمقراطيين" عن تأييدهم للفكرة أيضاً. وفي هذا السياق، أعلن النائب "رام إيمانويل" من ولاية إيلينوي، رئيس لجنة حملة الكونجرس الديمقراطية، أنه سعيد لأن الرئيس "انتبه إلى الحاجة إلى زيادة حجم القوات المسلحة، وهو ما توصل إليه "الديمقراطيون" قبل سنتين من اليوم". والحال أن توسيع حجم الجيش قرار غير حكيم بالنسبة للأوضاع في العراق. وعلاوة على ذلك، فمن الصعب تخيل سيناريو آخر يحظى بدعم الجمهور الأميركي ويقوم على غزو بري كبير واحتلال طويل. وعليه، فماذا ستكون مهمة هذه القوات الكبيرة يا ترى؟ خوض الحرب المعلنة على الإرهاب؟ إنه تبرير غير مقنع؛ ذلك أن أياً من أعضاء "القاعدة" الأربعة عشر المهمين الذين نُقلوا مما كانت في السابق سجوناً سرية تابعة لـ"السي آي إي" إلى القاعدة البحرية الأميركية في خليج جوانتانامو في سبتمبر لم يُعتقل من قبل الجيش الأميركي. كما أن المخطط الذي كان يروم تفجير طائرات مدنية فوق المحيط الأطلسي الصيف الماضي أُحبط من قبل المسؤولين عن فرض القانون في بريطانيا بتعاون مع سلطات الولايات المتحدة وباكستان، وليس من قبل الجيش الأميركي. وخلايا "القاعدة" في هامبورغ ومدريد تم تفكيكها بأسلوب مماثل أيضاً. ثم إنه حتى حينما تم استعمال الوسائل العسكرية– القصف الذي أدى إلى مقتل أبو مصعب الزرقاوي مثلاً- فإن عمليات من هذا القبيل إنما تقوم على تنفيذ ضربات "جراحية" دقيقة ومحددة، لا تحتاج إلى قوة كبيرة، ويتوقف نجاحها على معلومات استخباراتية مواتية من مصادر غير عسكرية. إن زيادة حجم القوات في غياب مهمة واضحة خطأ فادح وخطير. فإذا كان الهدف من الجيش هو خوض الحرب والانتصار في ساحة المعركة، فعلينا أن نعرف أنه لا يوجد بلد متهور أو مجنون مستعد لمحاربة الولايات المتحدة باستخدام الوسائل التقليدية. أما إذا كان الهدف هو غزو بلد آخر ذي قوة مهمة، فحينها على المرء أن يتساءل أي بلد ننوي غزوه، ولأي هدف–إيران؟ باكستان؟ إندونيسيا؟ أو الصين، مثلما أشار إلى ذلك البعض مؤخراً؟ والواقع أنه بعد حرب العراق، فإن الشكوك تنامت كثيراً بشأن وجاهة مثل هذا الخيار وتأييد الجمهور له. الحقيقة أن تفوقنا العسكري التقليدي شجع خصومنا المحتملين على محاربتنا بطرق غير تقليدية. وبالتالي، فعلينا التكيف مع هذا المعطى. بل يمكن القول إن قوة كبيرة يمكن أن تسفر عن نتائج عكسية. ذلك أنه إذا كانت المهمة الجديدة للجيش تتمثل أساساً في محاربة الإرهاب، فلا حاجة إلى جنود جدد لأن الأشخاص الذين يحاربون المنظمات الإرهابية قلما يرتدون بذلات عسكرية. فمعظم عمليات محاربة الإرهاب الناجحة تعتمد على الاستخبارات والتعاون الفعال مع الجيوش الأجنبية وتسخير القوانين الداخلية والدبلوماسية وغيرها لهذا الهدف – وليس القوة العسكرية. أما التعويل على تركزات كبيرة للقوات التقليدية لإنجاز ما يفترض أنها مهمات جراحية، فإنها لا تزيد إلا من تهديد الإرهاب، ولا تخفضه. وفي هذا الإطار، أشار "روبرت يبي"، الباحث بجامعة شيكاغو، في دراسة أخيرة له لحساب معهد "كاتو" إلى أن "كل حملة إرهابية انتحارية منذ 1980 إنما نفذت للدفاع عن الأراضي، ولتحديد مصير سكان يواجهون وجود قوات أجنبية". وبالتالي، ففي حال تم نشر المزيد من وحدات الجيش في الخارج –وخاصة في البلدان الإسلامية- فإن "القاعدة" وغيرها من المنظمات الراديكالة الإرهابية ستتغذى على الاستياء المترتب عن هذا الوجود العسكري وتستفيد منه لزيادة عدد الإرهابيين. "بول وولفويتز" نفسه، وهو أحد المهندسين الرئيسيين لحرب العراق، أدرك الحاجة إلى سحب القوات الأجنبية بسرعة من البلاد الإسلامية؛ حيث أقر في الشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس في فبراير 2003 بأن الاستياء من القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط كانت "وسيلة أسامة بن لادن لتجنيد مزيد من الأعضاء والأنصار". والحقيقة أن العراق يمثل اختبارا للأخطار التي تنطوي عليها قوات كبيرة يمكن للزعماء نشرها متى شاؤوا في بلدان أجنبية؛ حيث أشار التقرير الاستخباراتي حول العراق في سبتمبر الماضي، وبدون مفاجآت، إلى أن الوجود العسكري الأميركي هناك شكل نقطة تجمع وجذب للمتشددين المسلمين. كما تَعتبر "القاعدة"، حسب رسالة اعترضها الجيش الأميركي، وجود القوات الأميركية عاملاً مساعداً يخدم قضيتها. وبالتالي، فإن جيشاً موسعاً كبيراً لن يمنحنا سوى كل ما نحتاجه لنسير نحو كارثة استراتيجية أخرى. لقد نادينا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية على معظم جنودنا، فلبوا النداء. والحقيقة أن لا أحد ينكر حقيقة أن جيشنا مجهَد، غير أن إضافة عشرات الآلاف من الجنود يساهم في تقهقره وتراجعه. وبالتالي، فعلينا أن ننادي على عدد أقل منهم، بدلاً من أن نسخرهم لمهمات تتطلب أكثر مما نتوفر عليه. إن الحل قصير المدى لمشكلة قواتنا المسلحة يكمن في إعادة قواتنا من العراق إلى الوطن. أما الحل بعيد المدى، فيكمن في إعادة النظر في الاستراتيجية التي ننتهجها لمحاربة الإرهاب، ومراجعة التوفيق بين الوسائل والأدوات التي نستعملها لبلوغ هذا الهدف. وفي جميع الأحوال، فالأكيد أن المزيد من الجنود ليس هو الحل الأمثل. ــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ بـ"كلية إيليوت للشؤون الدولية" التابعة لجامعة "جورج واشنطن" الأميركية ــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"