لا شك أن الولايات المتحدة تعاني من فقدان الثقة العربية والفلسطينية، تجاه دورها كراعٍ نزيه لعملية التسوية للقضية الفلسطينية. أسباب الحالة معروفة تفصيلاً، فقد مرت أربع سنوات منذ صدور خطة "خريطة الطريق" والصراع يدور في دائرة مغلقة بسبب الأطماع التوسعية الإسرائيلية من ناحية والدعم الذي تلقاه وجهات النظر الإسرائيلية من إدارة بوش من ناحية ثانية. لم يعد أحد يستطيع الادعاء بأن فوز "حماس" في الانتخابات هو السبب في الموقف الأميركي، فالكل يتذكرون أن منظمة التحرير بقيادة "فتح" قد خضعت وهي في السلطة، لأقسى أنواع الحصار والإحباط لخطها الهادف إلى إنجاز تسوية عادلة بعد أن افتتحت خط الاعتراف بإسرائيل مع اتفاقية أوسلو عام 1933. الفرصة الجديدة التي تفتحها الظروف أمام واشنطن لاستعادة مصداقيتها وإثبات قدرتها كقوة عظمى أولى... هي فرصة احتياجها للمجموعة العربية، المكونة من دول الخليج ومصر والأردن، لدعم "استراتيجية بوش" في العراق. إني لا أركز هنا على الضغوط العربية التي يتوجب أن تتكثف وأن تتوالى بالتنسيق بين هذه الدول الثماني، وإنما التركيز اليوم يجب أن يكون على استثمار واشنطن للضغط العربي كأداة لتوليد ضغط أميركي فعال على إسرائيل. مصالح الأمن القومي الأميركي تقتضي إجراء حساب ربح وخسارة لتأثير استمرار الاشتعال على خط التماس الإسرائيلي-الفلسطيني على مصالح واشنطن في إنجاح استراتيجية الرئيس بوش في العراق. ولا شك أنه يمكن لواشنطن أن تستخدم نتائج هذا الحساب في بلورة استراتيجية جديدة في مجال الصراع العربي-الإسرائيلي تسير بالتساوي مع استراتيجية بوش في العراق، بحيث يمكن تحقيق اختراق حقيقي في باتجاه تسوية عادلة للصراع الذي يطغى إفرازه المرير على كل ما عداه في أوساط الرأي العام العربي. خلال أيام قليلة سيصل وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، ومعه الوزير عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية إلى واشنطن، لشرح أبعاد المبادرة المصرية التي تم إعدادها بالتنسيق والتشاور مع الدول العربية. إن في يد الإدارة فرصة تزداد تبلوراً مع هذه الزيارة التي تسبق عودة رايس إلى الشرق الأوسط مرة أخرى في منتصف فبراير، ولو أن الإرادة الأميركية لتحقيق وعد بوش بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قبل نهاية ولايته عام 2008 قائمة بالفعل، فإن عليها الانتفاع إلى أقصى درجة من الظرف الموضوعي الجديد الممثل في حاجتها إلى الدعم العربي في العراق وحاجة العرب في المقابل إلى دور أميركي جاد لتسوية الصراع تسوية نهائية. ومن المفهوم بالطبع أن يحاول الطرف الإسرائيلي إجهاض هذه الفرصة وإدخال المفاوضات التحضيرية في متاهات المرحلة الأولى من "خريطة الطريق" التي تتحدث عن التهدئة ووقف الاستيطان دون أي تقدم يذكر حتى الآن، ليعيد الرباعية الدولية إلى المربع الأول بهدف إضاعة الوقت واستهلاك عام 2007 في جدل عقيم شهدنا مثله من قبل، إلى أن تنشغل الإدارة بالانتخابات أو تدخل في صراع عسكري مع إيران، أيهما أقرب! ومفهوم أيضاً أن واشنطن التي أعلنت التزامها بخطة "خريطة الطريق" يمكن أن تجاري التوجه الإسرائيلي مع ممارسة بعض العلاقات العامة ذات الطابع السياسي من خلال زيارات وزيرة الخارجية أو مساعديها إلى المنطقة. غير أن حساب الربح والخسارة الذي تجنيه واشنطن في حالة تجاهلها للمطلب العربي بفتح أفق المرحلة الثالثة من خطة "خريطة الطريق" المتعلقة بالحل النهائي بالتوازي مع التقدم في المرحلة الأولى... يجب أن يكون حاضراً ليذكر الإدارة الأميركية أن ما يجنيه الأمن القومي الأميركي من مصالح في حالة الاستجابة للمطلب العربي لا يوازيه في الحجم إلا الخسائر التي ستلحق بهذا الأمن في حالة تجاهل هذا المطلب والانسياق وراء إسرائيل. أرجو أن يساعد العرب واشنطن في إعداد ملف الربح والخسارة، فهو أداة الضغط الرئيسي على إسرائيل وأطماعها وألاعيبها لتجميد الفرصة الجديدة.