في وقت ينكب فيه الرئيس بوش ومساعدوه على بحث كيفية التعامل مع إيران، يكتشفون أن كلاً من خطابهم واستراتيجيتهم متأثر بما قبل أربع سنوات –حين شكلت تحذيراتهم من أنشطة إرهابية وطموحات نووية مقدمة للحرب؛ غير أنهم يشددون على أن الوضع مختلف هذه المرة. وفي هذا الإطار، قال نيكولاس بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وكبير المفاوضين في المواضيع الإيرانية: "إننا لا نسعى إلى عراك مع إيران". جاء ذلك في حوار صحفي معه مساء الجمعة بعد ساعات معدودة على تكرار بوش تحذيراته لإيران، مطالباً إياها بوقف "قتل جنودنا" ووقف سعيها إلى الوقود النووي. كما شدد "بيرنز" على أن واشنطن ملتزمة بـ"الطريق الدبلوماسي"، مكرراً بذلك كلام الرئيس بوش، وإن كانت الإدارة الأميركية تشهد نقاشاً داخلياً محتدماً حول ما إن كان من شأن سياسة أكثر تشدداً وحزماً أن تدفع إيران إلى الرد. وفي هذا السياق، دعت وزارة الخارجية إلى تبني مقاربة حذرة؛ في حين رأى بعض "الصقور" في البنتاجون والبيت الأبيض أن زيادة عدد القوات الأميركية في العراق لن تكون ذات جدوى في حال لم يرد الجيش الأميركي بقوة على المساعدات الإيرانية للمليشيات في العراق. والحال أن المقاربة الأميركية الجديدة تجاه إيران تحمل بالنسبة للكثيرين في واشنطن، وخصوصاً منتقدي بوش "الديمقراطيين"، علامات وملامح إدارة ترغب في الحرب من جديد؛ حيث يرى البعض في ذلك محاولة لصرف انتباه البلاد عن حرب ساءت أحوالها في العراق، وتركيزه على بلد استغل ورطة الولايات المتحدة لتوسيع نفوذه؛ في حين يعتبرها آخرون جهداً يروم التملص من مسؤولية الفوضى المتزايدة في العراق، وذلك في وقت يشير فيه عدد كبير من المسؤولين، خاصة مدير وكالة الاستخبارات المركزية "السي آي إي" ووزير الدفاع الجديد، إلى معلومات استخباراتية تفيد بأن الإيرانيين يقومون بتهريب متفجرات متطورة ومخططات مفصلة لمحو الأحياء السُّنية في العراق. وإذا كان المسؤولون الأميركيون لم يكشفوا حتى الآن عن أي دليل يدعم اتهاماتهم تلك، فمن المتوقع أن يدافع مسؤولو الجيش الأميركي عن صحة ما ذهبوا إليه الأسبوع المقبل -استناداً إلى معدات احتُجزت خلال غارات أخيرة- في محاولة لإثبات أن "قوات القدس" الإيرانية تقف وراء العديد من الهجمات القاتلة في العراق. غير أنه في الوقت الذي يستعدون فيه لتقديم دليلهم، يقر بعض مسؤولي إدارة بوش بأنهم يواجهون التركة المُرة لعمليات تحوير المعلومات الاستخباراتية التي قاموا بها في مرحلة ما قبل الحرب في العراق، معتبرين أن مصداقية الإدارة تضررت كثيراً جراء ذلك، وهو ما من شأنه أن يلقي بظلال من الشك على أي محاولة لبوش لدعم ادعاءاته بأن برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني إنما هو موجه لإنتاج قنبلة نووية. وفي هذا الإطار، يقول خبير استراتيجي في إدارة بوش انضم إليها بعد ظهور دلائل على أنه ليست في حوزة العراق أي من الأسلحة السرية التي أشارت إليها الإدارة باعتبارها سبباً لشن الحرب: "إنه أمر لم يُصرَّح به أبداً، ولكن من الواضح أننا لا نستطيع إقناع الرأي العام باستقامة وجهة نظرنا حول نوايا إيران". علاوة على ذلك، وفي الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية لإقناع الرأي العام بصحة اتهاماتها لإيران، بدأت على بعد بضعة أمتار محاكمة "لويس ليبي"، المدير السابق لمكتب نائب الرئيس ديك تشيني؛ حيث كشفت الشهادة الأولى في تلك المحاكمة، من بين أمور أخرى، كيف أن تشيني انتقى بعناية المعلومات الاستخباراتية بخصوص العراق قصد تسخيرها في حملة سياسية، واستعمالها من أجل التدليل على صحة اتهامات الإدارة الأميركية للعراق. واليوم، وبعد عدة سنوات على ذلك، تدفع الإدارة الثمن عبر مواجهة بلد تفوق قدرته على إظهار القوة وإنشاء برنامج نووي متطور بكثير قدرة صدام حسين على ذلك عام 2003. وإذا كانت الإدارة الأميركية لا تتوفر على دليل قطعي يفيد بسعي إيران إلى إنتاج قنبلة نووية، فمن المرتقب أن تكشف النقاب الأسبوع المقبل عما سماه مسؤولون فيها دليلاً على تدخل إيران في العراق. وفي هذا السياق، يقول مسؤولون اطلعوا على المعلومات الاستخباراتية التي أُعدت للرئيس بوش إن التقييمات والتحليلات الأميركية تخلص إلى أن إيران ترى نفسها على رأس تحالف يهدف إلى حمل الولايات المتحدة على الخروج من العراق، ولاحقاً من منطقة الشرق الأوسط برمتها. كما قال آخرون إن بعض هذه التحليلات ذهبت إلى أن روسيا والصين لن تنضما أبداً إلى عقوبات اقتصادية مهمة ضد بلد تجمعه بهما أعمال وصفقات، ليخلصوا إلى أنه إذا كان بوش يرغب في ممارسة ضغط اقتصادي وعسكري، فعليه القيام بذلك خارج الأمم المتحدة. ونتيجة لذلك، تمت بلورة استراتيجية كان بوش وافق عليها الخريف الماضي بهدف ممارسة الضغط على جميع الجبهات وإرغام إيران على إعادة حساب ما يسميه مسؤولو الإدارة عواقب تحدي الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار تندرج الجهودُ الرامية إلى حمل البنوك اليابانية والأوروبية على الامتناع عن إقراض قطاع النفط الإيراني؛ إضافة إلى خفض أسعار النفط، وإن كان مسؤولو الإدارة قد التزموا الصمت عندما سُئلوا عما إن كان تشيني وآخرون قد ناقشوا مع دول نفطية مهمة مزايا ضخ النفط بكميات كفيلة بخفض الأسعار وبالتالي حرمان إيران من عائدات كبيرة. ولعل العنصر العسكري من هذه الاستراتيجية هو الذي ينطوي على أكبر الأخطار؛ فقد أفاد مسؤول عسكري كبير بإرسال حاملتي طائرات والمجموعات الحربية التابعة لهما إلى الخليج العربي "لتذكير الإيرانيين بأننا نستطيع أن نركز عليهم هم أيضاً". كما أُذن للقوات العسكرية في العراق بالتحرك ضد العملاء الإيرانيين، وإن كان من غير الواضح نوع الدليل اللازم، في حال كان ثمة دليل، لإثبات أنهم يتآمرون على القوات الأميركية قبل الترخيص لعمل عسكري. المسؤولون الأميركيون يصفون هذه التدابير بأنها إجراءات دفاعية صرفة. وفي هذا السياق، يقول بيرنز الذي شدد على أنه لا توجد جهود لوقف إيران عن أن يكون لها تبادل عادٍ مع العراق: "الأكيد أننا نسعى لحماية مصالحنا في منطقة الخليج والعراق وحماية أرواح جنودنا". ديفيد سانجر مراسل "نيويورك تايمز" في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"