في يوم الجمعة المقبل الموافق 2 من فبراير، وفي العاصمة الفرنسية باريس، يُتوقع صدور تقرير الأمم المتحدة، حول التغير المناخي، وهو تقرير أعدته لجنة ممثلة لحكومات الدول الأعضاء. أما النتائج التي توصل إليها التقرير، فهي جد مظلمة ومتشائمة. وحسبما أفاد التقرير، من المرجح أن ترتفع درجات حرارة الأرض، بمعدل 3 درجات مئوية خلال القرن الحالي، وهو معدل ارتفاع لم تشهده الأرض، منذ العصر البليوسيني "الحديث"، أي قبل ما يزيد على ثلاثة ملايين سنة. ولذلك فقد حذر العلماء والمختصون من أن هذا الارتفاع والتغير المناخي الناشئ عن فعل الإنسان، أضحى يهدد مستقبل الأرض، بل ومستقبل الحضارة البشرية نفسها. والسؤال الذي يدور في أذهان الجميع الآن: وما العمل إذن؟ في اعتقادي الشخصي، أن هناك خمسة أركان رئيسية، لابد من إرسائها في سبيل التصدي لمعضلة التغير المناخي هذه، وكذلك من أجل إرساء اللبنات الأولى التي يقوم عليها مجتمع ما بعد طاقة الكربون. وتتلخص هذه الأركان الخمسة فيما يلي:رفع كفاءة استهلاك منتجات الطاقة الأحفورية للحد الأقصى، وخفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ورفع معدل إنتاجنا التجاري لمصادر الطاقة البديلة المتجددة، وترسيخ تقنيات طاقة الخلايا الهيدروجينية، بغرض تخزين منتجات الطاقة المتجددة، وأخيراً بناء وابتكار شبكات الطاقة الذكية، القادرة على توزيع الطاقة بين مختلف أنحاء العالم وقاراته. هذه الأركان الخمسة، كفيلة معاً بتوفير الإطار اللازم للانتقال إلى مرحلة الثورة الصناعية الثالثة. أما على المدى القريب المنظور، فإن أسرع وأقرب طريق للتصدي لخطر تفاقم ظاهرة الدفيئة، هو، أولاً: خفض معدل استهلاكنا لمنتجات الطاقة الأحفورية، بما يصل إلى نسبة 20% على أقل تقدير. ولن يتحقق ذلك بالطبع، إلا بإدخال تقنيات معايير كفاءة استهلاك الطاقة، وتبني أفضل الممارسات الخاصة باستهلاك الطاقة في كل منزل وشركة ومرفق اجتماعي. ثانياً: باتت كافة الحكومات والدول، بحاجة ماسة إلى فرض سقف على انبعاثات غاز الكربون، وكذلك فرض آلية محددة لتطبيق سياسة الالتزام بخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات المسببة للإحماء الشامل، بنسبة 30%، بحلول عام 2020، قياساً إلى معدلات عام 1990. وذلك هو الحد الأدنى المطلوب الالتزام به، إن كان لنا أن نخفض معدل ارتفاع درجات الحرارة على الأرض بنسبة 2% خلال القرن الحالي، الحادي والعشرين. ثالثاً: لدى كل دولة من الدول، مخزون احتياطي ضخم من مصادر الطاقة المتجددة، يتمثل في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وموارد الطاقة المائية والحرارية، فضلاً عن "البيوماس" وغيرها. وعلى كل دولة من الدول، تحديد المعايير اللازمة لإنتاج نسبة 33% من حاجتها للكهرباء، وكذلك نسبة 25% من إجمالي حاجتها الكلية للطاقة، من مصادر الطاقة البديلة المتجددة بحلول عام 2020. رابعاً: ينبغي على كل دولة من الدول، إبداء التزام بعيد المدى، بالانتقال التدريجي إلى عصر طاقة الهيدروجين. ذلك أن الهيدروجين هو المصدر الأكثر وفرة للطاقة على نطاق العالم، ثم إن المنتجات الوحيدة الناجمة عن استهلاكه كشكل من أشكال الطاقة، هي الماء الصافي والحرارة. على امتداد ما يزيد على الثلاثين عاماً، اعتمدت سفننا الفضائية على خلايا طاقة الهيدروجين في رحلاتها، وفي نظري أن الهيدروجين هو لعبة النهاية المفضية بنا إلى عصر ما بعد الكربون. وعلى رغم كل ما قيل، فلعل هناك من لا يزال يلحُّ في السؤال: ولماذا الهيدروجين بالذات؟ والإجابة أن الهيدروجين هو الوسيط الأمثل لتخزين الطاقة البديلة المتجددة، سواء كانت هذه الطاقة من أجل التوزيع عبر الشبكة الكهربائية العامة، أم من أجل توفير وقود النقل والمواصلات. وغني عن القول إنه لن يكون في مقدور أي مجتمع من المجتمعات، الاعتماد بدرجة أكبر على مصادر الطاقة المتجددة، ما لم يكن قادراً على تخزين هذه المنتجات والموارد في شكل غاز الهيدروجين. والسبب وراء هذا، أن منتجات هذا النوع من الطاقة، تتسم بكونها متقطعة. وكما نعلم، فإن الشمس لا تبقى ساطعة دوماً، وكذلك لا تواصل الرياح هبوبها في كل المواسم والأوقات، بينما تكف المياه عن التدفق في مواسم الجفاف، في حين يتفاوت إنتاج المحاصيل الزراعية التي تقوم عليها الطاقة المتجددة، من موسم لآخر، ومن أرض زراعية لأخرى. وهنا تكمن أهمية وخاصية الهيدروجين، في كونه يوفر وسيطاً قوياً وملائماً لتخزين منتجات الطاقة البديلة، بما يجعل منه وسيلة يعتمد عليها في ضمان تدفق هذه الطاقة، سواء كانت الطاقة الكهربائية الموزعة عبر الشبكة العامة، أم لوسائل النقل والمواصلات. خامساً: علينا إعادة تجهيز الشبكات الكهربائية لكل واحدة من الدول، بحيث يصبح ممكناً فيها، تطبيق المبادئ والتقنيات الذكية ذاتها، التي مكنت البشرية من استخدام شبكة الإنترنت، وغيرها من شبكات الاتصالات الدولية الهائلة، وغير المركزية. وإذا ما صممت شبكات الكهرباء القطرية والإقليمية، وفق هذا التصميم والتقنيات والمبادئ، فسيساعد ذلك أصحاب الاستثمارات والبيوت وغيرهم في رفع كفاءة استخدامهم للطاقة، فضلاً عن مساعدتهم في إنتاج الطاقة المتجددة والبديلة، على نحو أسهل، وفي بيع فائضهم الكهربائي، إلى الشبكة القومية بالسهولة ذاتها. وهناك من محللي وخبراء صناعات الطاقة، من يتساءل قائلاً: ولمَ لا نفكر في إدخال جديد من حقول طاقة الفحم الحجري، ضمن الحلول المقترحة؟ ويقوم تصور هؤلاء على إمكانية تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون الناشئ من محطات وحقول طاقة الفحم الحجري هذه، في مستودعات عميقة في باطن الأرض، أو في قيعان المحيطات. غير أن الكثير من العلماء والمختصين، يتشككون فيما إذا كان في وسع هذا النوع من الطاقة الذي يتخيله المحللون، أن يكون قادراً على توفير مصدر تجاري للطاقة، خلال العقود العديدة المقبلة، وفيما إذا كان ممكناً تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الفحم الحجري، بشكل آمن سواء في باطن الأرض، أم في قيعان المحيطات، دون تسربه إلى طبقات الغلاف الجوي. وخلافاً لهذه التصورات، فإن بمقدور نظام دولي جديد، قائم على موارد الطاقة البديلة والمتجددة، وعلى تقنيات خلايا طاقة الهيدروجين بصفة خاصة، أن يمهد الطريق لانتقال البشرية بأسرها إلى مرحلة الثورة الصناعية الثالثة، فضلاً عما لهذا التحول من قدرة هائلة على مضاعفة الأداء الاقتصادي للدول، في قرننا الحالي، تماماً مثلما كان لاستخدام طاقة الفحم الحجري والطاقة البخارية، من أثر شبيه على انتقال البشرية إلى الثورة الصناعية الأولى في القرن التاسع عشر، ثم انتقالها إلى الثورة الصناعية الثانية، بفعل تكنولوجيا النفط وماكينات الاحتراق الداخلي، في القرن العشرين. ومما يلفت النظر والإعجاب الآن، أن خلايا طاقة الهيدروجين التجارية، قد بدأت شق طريقها إلى الأسواق العالمية، سواء كانت للأغراض الصناعية أم لتوفير الطاقة للمكاتب والشركات والمنازل. وضمن هذا الاتجاه، فقد بدأ عملياً بيع وتسويق محطات توليد خلايا طاقة الهيدروجين العملاقة، للشركات المنتجة والتجارية، بغية استخدامها كمحطات دعم، في فترات ومواسم الحمولة الكهربائية العالية للشبكات، فضلاً عن كونها وسيلة دعم لا غنى عنها في حالات انقطاع التيار الكهربائي. وهل هناك ما يدل على سعة هذا الاستخدام الآن، من دعم مطار ميونيخ الدولي، بمحطة من المحطات العاملة بخلايا طاقة الهيدروجين؟!