في مجال العلاقات الدولية، غالباً ما تتضمن القيادة، حث الأصدقاء والحلفاء على القيام بالمهام التي كان ينبغي عليهم أن ينجزوها، دون أن يفعلوا. فعلى سبيل المثال، تواجه الولايات المتحدة الآن، تحدياً كبيراً فيما يتعلق بإقناع المزيد من الدول الأوروبية بتحمل عبء أكبر مما تفعل الآن في أفغانستان، حيث يقع العبء الحربي بالدرجة الأولى، على القوات البريطانية والكندية والأميركية، التي تواصل خوض المعارك ضد مقاتلي "طالبان". وعلى هذا أن يحدث، فيما لو أراد "الناتو" الوفاء بالتزاماته كاملة في أفغانستان، خاصة وأنه يحظى بمشروعية ودعم دولي واسعين. ولكن المعضلة الرئيسية التي تحيط بهذه المهمة الصعبة، أن "الناتو" وحده لا يكفي للقيام بها منفرداً. وشأنه شأن الحصان الذي يثقل عليه الحمل، فقد أجهد "الناتو" ولم يعد قادراً على الاستمرار في خوض حروب الوكالة عن الأمم المتحدة من جهة، والمنظمات الدولية الإقليمية، من جهة أخرى. وعلى الرغم من عدم تمتعي بصفة رسمية للحديث عما يجب على "الناتو" فعله، إلا أن لدي العديد من المقترحات والأفكار القائمة على خبرتي الشخصية، حول كيفية تخفيف العبء على "الناتو". والحقيقة المؤسفة أنه سيكون هناك المزيد من الدول الفاشلة، التي تتطلب تدخلاً دولياً متعدد الجنسيات وطويل الأمد في شؤونها. ولذلك فإنه ليس متوقعاً ولا مطلوباً من "الناتو" أن يتواجد في كل بقعة من بقاع العالم. فإذا ما كان هذا الحلف قد اتسع لاحقاً للتصدي للكثير من المهام خارج الحدود الأوروبية، فإن ذلك لا يعني كونه مستودعاً لا قرار له من الجنود والمقاتلين. وعلى قادة "الناتو" إثارة السؤال التالي: ما هي بقاع العالم الإقليمية الجديدة الملتهبة، التي يتوقع للمنظمات والتحالفات الإقليمية أن تتولى مهام فيها: سواء كانت هذه البؤر الملتهبة في السودان، فيجي، الكونغو، الصومال، بوليفيا، كوريا الشمالية، أم في نيبال؟ ذلك أن علينا الآن أن نغدو أكثر إبداعاً وابتكاراً في كيفية إحلال الأمن والاستقرار في هذه مثل هذه المناطق المضطربة من العالم. ويلاحظ هنا أن الكثير من التدخلات الإقليمية، على غرار تدخل الاتحاد الأفريقي في أزمة دارفور السودانية، قد اتخذت طابعاً مؤقتاً، مما لا يثير الاستغراب أو العجب في فشلها. وعليه، فإن الذي نحتاجه فعلاً، هو وجود منظمات أمنية دفاعية إقليمية دائمة، تحظى بدعم ومساندة القوى الدولية. ولاشك أن في وجود هذه المنظمات الإقليمية، ما يخدم مصالح الدول الإقليمية والقوى الكبرى على حد سواء. وبينما يتوقع لهذه الدول الإقليمية أن تكون لها هواجسها المتعلقة بمسائل مثل السيادة الوطنية وما إليها، إلا أن البديل للتعاون الإقليمي الدولي البناء، هو الفوضى العارمة، التي ما أن تشتعل نيرانها المحلية، حتى تبدأ بالزحف بعيداً جداً إلى ما وراء الحدود المحلية والإقليمية. ولكن يجب ملاحظة عدم ملاءمة وانتظام الدعم المقدم من قبل الدول العظمى الغربية، لهذه المنظمات الإقليمية في مضمار المساعدات الإنسانية، ومهام حفظ الأمن والسلام، على رغم ما طرأ عليه من تحسن، إثر إنشاء الأمم المتحدة. وقد تجلى هذا الضعف بصفة خاصة إبان الحرب الأهلية الصومالية في عقد تسعينيات القرن الماضي. وتضاف إلى ذلك ملاحظة أخرى، هي تمركز معظم البرامج العسكرية والدفاعية في البلدان المتقدمة، على الحروب التقليدية، في الوقت الذي تزداد فيه المخاطر الأمنية والدفاعية الناجمة عن زيادة عدد الدول الفاشلة، وتقل فيه الحروب التقليدية! وبدلاً من أن نترك للمنظمات الإقليمية التصدي منفردة لمهام حفظ الأمن والسلام وتوفير المساعدات الإنسانية وما إليها، فإن على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، العمل معاً من أجل إنشاء ست منظمات أمنية دفاعية على أقل تقدير، على أن تكون على شاكلة حلف "الناتو"، على أن تتوزع جغرافياً في كل من أميركا الشمالية، أميركا الجنوبية، إفريقيا، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك في جنوبي آسيا، ومنطقة الشرق الأوسط. أما مقرات القيادة العليا لهذه المنظمات، فيمكن أن تكون على النحو التالي: كلورادو سبرينجز، البرازيل، جوهانسبرج، بكين، نيودلهي، والعاصمة الأردنية عمّان. وإلى ذلك يمكن أن يتم تدريب جنود هذه المنظمات، في أي من الدول الأعضاء في هذه المنظمات الإقليمية. وعلى هذه التحالفات الإقليمية الجديدة، أن تكون على أهبة الاستعداد دائماً، لنشر قوة عسكرية بحجم اللواء، وبحيث تضم نشر نحو 6000 جندي على الأرض، فضلاً عن القوات البحرية والجوية، في أي جزء من الأجزاء الإقليمية التابعة لها. كما ينبغي للمنظمات والتحالفات الإقليمية هذه، أن تكون لها فرق عملها الدبلوماسية والاقتصادية، القادرة على التحرك في أعقاب انتهاء الحرب والقتال، بحيث تمكن حكومات وأسواق الدول المتأثرة بالنزاع من استئناف نشاطها. وبالطبع فإن كافة هذه المنظمات والتحالفات الإقليمية، بحاجة لا غنى عنها، لمباركة الأمين العام للأمم المتحدة، "بان كي مون"، ولأن تنسق جهودها عبر شعبة عمليات حفظ السلام الدولي، التابعة للمنظمة الدولية. ولذلك فإنه يتوقع من الأمين العام للأمم المتحدة أن يرحب بترتيبات التنسيق هذه، خاصة وأن في وسع التنظيمات الإقليمية هذه، تخفيف العبء على منظمته، فيما يتصل بتخطيط العمليات المركزية، وفي تشكيل القوات المؤقتة على إثر انتهاء النزاع العسكري التقليدي، لاسيما وأن المنظمة الدولية، قد أخفقت مراراً وتكراراً في مثل هذه المهام اللاحقة للنزاعات. جوزيف نونيز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس شعبة فنون الحرب بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكلية الحربية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"