بعد رفضه الترشح لولاية ثالثة كرئيس للولايات المتحدة، وجه جورج واشنطن خطاباً توديعياً للأمة في 1796، حث فيه الأميركيين على الاستمتاع بإنجازات الاتحاد وتفادي "الآثار المؤذية" للتعصب الحزبي. كما حذر رؤساء لاحقون، مثل توماس جيفيرسون، من تشكل أرستقراطية "غير طبيعية" تضم رجالاً يرثون ثروات طائلة ومناصب سياسية. غير أن التحذيرين يتم تجاهلهما اليوم في النقاش الدائر حول رغبة هيلاري كلينتون في الترشح في سباق 2008 الرئاسي. والواقع أنها في حال تمكنت من الحصول على تزكية الحزب "الديمقراطي" لترشحها، وفازت بالرئاسة وبقيت في البيت الأبيض لولايتين، فستكون الولايات المتحدة بحلول 2017 قد حُكمت من قبل عائلتي بوش وكلينتون لفترة 28 عاماً. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لن تكون قد حكمت طيلة ثلاثة عقود من قبل العائلتين نفسيهما فحسب، وإنما من قبل نفس الفريق المساعد أيضاً. فمثلما أن ديك تشيني يعد اسماً مألوفاً في الفترتين الرئاسيتين لعائلة بوش (حيث شغل منصب وزير الدفاع في عهد بوش الأب، ونائباً للرئيس في عهد بوش الابن)، فمن غير المستبعد أيضاً أن تعيد فترة رئاسية مُحتملة لهيلاري كلينتون أسماءً مألوفة من قبيل هارولد آيكس، وبول بيغالا، وجيمس كارفيل إلى الواجهة. وربما لن يقف الأمر عند هذا الحد؛ ذلك أن حاكم فلوريدا السابق جيب بوش، مُآزَراً في ذلك من قبل زعماء "جمهوريين" إضافة على الرئيس الحالي (الذي قال "أريد أن أرى جيب مترشحاً يوماً ما")، لم يستبعد محاولة الوصول إلى البيت الأبيض أو الترشح كنائب للرئيس في 2012 أو 2016. والحال أننا إذا كنا نرغب في تغيير الجو الضار والحزبوي الذي يسود واشنطن هذه الأيام، فيجب أن ينتهي عهد آل بوش وآل كلينتون في 2008، وما بعدها. لقد وصل أقارب رؤساء سابقين إلى سدة السلطة ثلاث مرات في تاريخ الولايات المتحدة؛ حيث خسر جون كوينسي آدمس، ابن جون آدمس، في التصويت الشعبي أمام أندرو جاكسون عام 1824، غير أنه فاز في "الكلية الانتخابية". كما خسر بنجامين هاريسون، حفيد ويليام هنري هاريسون، في التصويت الشعبي أمام غروفر كليفلاند عام 1888، ولكنه عانى أيضاً كـ"رئيس أقلية" و"رئيس في الواجهة". والثالث جورج دبيلو. بوش على رغم ما قيل عن عدم فوزه بالتصويت الشعبي أمام آل غور عام 2000. ولما كانت استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن قطاعاً كبيراً من الأميركيين، ربما تصل نسبته إلى 40 في المئة، هو ممن لا يعتزمون التصويت على هيلاري كلينتون تحت أية ظروف، فمن غير المرجح أن تدخل السيدة كلينتون "المكتب البيضاوي" مسلحة بولاية قوية. أما الخلاصة المثيرة للسخرية فهي أن من شأن فترة رئاسية لهيلاري كلينتون -فترة يُتوقع أن تكون ضعيفة بسبب انخفاض التأييد الشعبي لها وكونها عرضة للهجومات الحزبوية- أن تكون مشابهة لفترة جورج دبليو. بوش الرئاسية. ولعل طغيان التعصب الحزبي على إدارة بوش لا يمثل مفاجأة بالنسبة لطلبة التاريخ؛ ذلك أنه منذ زمن جون كوينسي آدمس -الذي شكل وصولُه إلى البيت الأبيض نهايةَ "عهد المشاعر الطيبة"- كان سعي أبناء وأحفاد وزوجات الرؤساء السابقين للوصول إلى السلطة يثير معارضة كبيرة. فبغض النظر عن قدراتهم الشخصية، إلا أن آدمس وهاريسون وبوش الابن –على غرار هيلاري كلينتون- ورثوا جميعهم طموحاتهم الرئاسية عن أقاربهم الرؤساء؛ فجورج دبليو بوش مثلاً ما كان له أن يصبح رئيساً اليوم لو أن اسمه لم يكن جورج بوش، مثلما أن هيلاري لم تكن لتصبح سيناتورة نيويورك لو أن اسمها الأخير لم يكن كلينتون. والحال أن التزام هذا البلد التقليدي بالوصول إلى السلطة على أساس الكفاءة يدفع الكثيرين إلى رفض هؤلاء الأرستقراطيين "غير الطبيعيين"، الذي لم يحظوا أبداً بشعبية كبيرة. والحقيقة أن رؤساء الأقلية أو الأغلبية الضعيفة يعدون زعماء ضعافاً لأنه لا شيء يدعم ويقوي السلطة الرئاسية مثل تفويض انتخابي قوي؛ فقد كان الرؤساء الأقوياء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مثلاً –دوايت إيزنهاور وليندون جونسون ورونالد ريغان- زعماء يحظون بشعبية كبيرة في أوساط الشعب الأميركي (حيث فاز إيزنهاور وجونسون بـ55 في المئة على الأقل من الأصوات؛ كما حصل ريغان على أكثر من 50 في المئة في 1980 ثم 59 في المئة عام 1984). أما الفترات الرئاسية التي تميزت بالتعصب الحزبي –هاري ترومان وجيمي كارتر وبيل كلينتون- فقد كان وراءها رجال وصلوا إلى السلطة بنِسب تأييد شعبي ضعيفة (حيث فاز ترومان بـ49.6 في المئة من التصويت الشعبي عام 1948؛ وحصل كارتر على 50.1 في المئة في 1976؛ وفاز كلينتون بـ43 في المئة و50 في المئة في 1992 و1996). واليوم، يُشبِّه كثير من المراقبين 2006 بالسنوات الأخيرة من ولاية نيكسون، حين كانت الولايات المتحدة تعاني حرباً وفقداناً للثقة في زعامتها السياسية. ففي واحد من آخر حواراته، أبدى الرئيس الأسبق "فورد" أسفه "على التعصب الحزبي القوي الذي يوجد في عاصمة البلاد اليوم"، ملمحاً إلى أن التعصب الحزبي أسوأ حتى من مرحلة ما بعد فضيحة "ووترغيت" التي ورثها عن سلفه. وختاماً فإن الولايات المتحدة اليوم في حاجة إلى رئيس يحظى باحترام كل من "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" مثلما وجدت في "فورد" وقتئذ رئيساً قادراً على أن يعيد ثقة الأميركيين في طبقتهم السياسية. إنها في حاجة إلى وجوه جديدة وأفكار جديدة في حال كانت ثمة رغبة حقيقية في أن تواجه أزمات الحرب والديون وغيرها. إنها في حاجة إلى رئيس يستطيع الفوز بـ55 في المئة أو أكثر، وهو ما لن يحدث في حال ترشح أحد من عائلتي كلينتون أو بوش. جيمس بوركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ التاريخ بجامعة كونكورديا – ويسكنسون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"