"يا حيف يا بو هادي! هذه آخرتها؟ من سيد المقاومة، إلى سيد الفوضى! ومن سيد الصمود بلبنان، إلى سيد البلطجية والزعران؟"، ... هكذا تمتم صديقي، مضيفاً باللهجة اللبنانية: "يا عيب الشوم". صديقي كان من المغرَّر بهم، والحق بأننا جميعاً أعجبنا بحسن نصرالله، على الأقل لأنه –على خلاف المناضلجية والوطنجية والثورجية- لم يرسل ابنه إلى باريس ولندن وواشنطن للعيش هناك، بينما يتفرغ هو للنضال الميكروفوني في مواجهة الإمبريالية والصهيونية، فقد استشهد هادي في مواجهة إسرائيل وهو ابن التاسعة عشرة قبل أن يفرح به أبوه عريساً، وأظهر نصرالله جلداً وصبراً وقوة أعجبت أعداءه قبل مؤيديه... كان نصرالله سيد المقاومة بلا منازع، إلى أن غاص في وحل السياسة اللبنانية، والقصد بالوحل هنا عالم السياسة دون حكر على لبنان تحديداً، ولكي لا يظن أحد أني أرى في السياسة اللبنانية طهراً، لأن الطهر والتقى والورع لا تمت للسياسة وعالمها بشيء، فقط لنعتبر من درس من انتصر في معركة الصراع على السلطة بين الهاشميين والأمويين! هل انتصرت المثالية، أم انتصرت السياسة؟ الجواب لدى العقلاء، وليس لدى الرومانسيين، ومن لا يزالون يخوضون المعارك نيابة عن الطرفين المندثرين. بالمناسبة، قد ينتصر السيد لأنه امتهن السياسة، وطلَّق المقاومة... أي قد يحقق السيد في السياسة، ما لم يحققه في المقاومة. في اللحظة التي دخل فيها نصرالله إلى عالم السياسة الداخلية اللبنانية، أصبح سياسياً مثل أي سياسي لبناني آخر، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها السيد وأتباعه. وإن كانت لدى السيد حجة وتنظير، فلدى الآخرين حجج ونظريات، وإن ظن السيد أن بجعبته أوراقاً، فلدى الآخرين دفاتر كثيرة، والمثل الشعبي يقول: "إن كانك نمر، فالرجال نمور". أوراق السيد إيرانية وسورية، وهذه حقيقة لا يمكن أن يخفيها السيد ولا ينكرها، ومن غير المنطقي أن يحرم السيد على الآخرين أوراقاً أيضاً، سواء كانت عربية أم باريسية أم أميركية... خطابات السيد في الآونة الأخيرة هي أقرب إلى "العنطزة والفنطزة" منها إلى خطاباته التي كانت تخرس مناوئيه لأنها موجهة ببساطة نحو العدو الذي يحتل أرضه، وما أن تحولت خطابات السيد إلى الداخل حتى أصبحت مثل أي خطاب سياسي يزخر بالهذيان. ولشرح "العنطزة والفنطزة"، إليكم بعض نماذجها: - السيد يسحب وزرائه من الحكومة من أجل المشاركة في الحكومة! - السيد يطالب "دستورياً" بحل الحكومة، يذكر أن السيد لم يرفض التمديد اللادستوري للرئاسة. - السيد يغلق الطريق من وإلى مطار بيروت -عمل قامت به إسرائيل الصيف الماضي. - أتباع السيد يمنعون البشر من الذهاب إلى معاملهم ومخابزهم، ويحرمون المرضى والمحتاجين للعلاج الطارئ من التوجه إلى المستشفيات، ويغلقون الطرقات، يعني إضراب "بالصرمايه"!! منتهى العنطزة. - السيد يحجب سماء لبنان في غمامة من دخان الإطارات التي جلبها أتباعه.. عنطزة أخرى. - بعد تعليق الإضراب، خطب السيد وهدد بما هو أكثر من حرق الإطارات وسد الطرقات، ترى ماذا يمكن أن يكون أكثر من فرض الإضراب على البشر بالقوة؟ الجواب لاح في محيط الجامعة العربية ببيروت وقت كتابة هذا المقال. - يكرر السيد أن فريق الحكومة يحاول تفتيت الوحدة الوطنية بإثارة الفتنة الطائفية، السيد وحزبه طائفيون حتى النخاع يعملون على أساس طائفي بحت. - قمة الفنطزة حين أبدى السيد استعداده لتعويض خسائر الحرب التي أشعلها مع إسرائيل الصيف الماضي، والتي قدرت بثلاثة مليارات دولار، وإلا "خدوني عالحبس" (حرفياً)!! شرط ألا تذهب الحكومة اللبنانية إلى "باريس 3". الموقف من "حزب الله" موقف مبدئي ضد تسييس الدين، وضد الدين السياسي مهما كان لونه أو مذهبه.. والضحايا الذين سقطوا وسيسقطون، برقبة السيد...ولا أحد غيره.