تحدثت كثيراً، عن أهمية التعليم وخطورته ودوره في تقدم الأمة والعمل على تكوين عقلها وقوتها، ودوره في الحفاظ على الأمن القومي وعقيدة الأمة وهويتها ولغتها وتراثها الحضاري. وقلت إن علينا أن ننتبه جيداً إلى مشاريع تطوير التعليم، لذلك أحاول اليوم أن أضع رؤية وزير التربية وحديثه عن موضوع تطوير التعليم تحت مجهر الفحص والتشخيص، لأدقق في معاني الكلمات التي يقولها وفيما بين السطور، ذلك أن التعليم شأن مجتمعي يهم الجميع، وما يراه الوزير أسلوباً ناجحاً لتطوير التعليم قد يراه غيره عكس ذلك. وهذا ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "حفظه الله"، بعد اطلاعه يوم الثلاثاء 16/1/2007 على استراتيجية تطوير قطاع التعليم، إذ طالب وزير التربية بضرورة تفعيل مبدأ التشاور وتبادل الآراء بين القيادات العلمية من مختلف شرائح المجتمع، حتى يتم الوصول إلى استراتيجية واضحة المعالم والأهداف وقابلة للتطبيق دون معوقات أو ثغرات. والنجاح أو الفشل في مسألة تطوير وإصلاح التعليم، حسب تصوري، سيؤثر على المجتمع بأكمله، لذلك فقد تابعت ما جاء على لسان وزير التربية الدكتور حنيف حسن يوم الجمعة 19/1/2007 في قناة "العربية"، خلال برنامج "إضاءات" الذي يقدمه تركي الدخيل. وأصبحت الصورة عندي واضحة تماماً، وتبينت لي مرة أخرى أهمية أن نفكر برؤية منهجية علمية سليمة، آخذين في الحسبان الاستفادة من خبرات الوطن وكفاءاته وقيادات الوزارة وتراكمات تجاربها السابقة، خلافاً لمن يرى التعليم في صورة حلول جاهزة مستوردة، وخبراء أجانب ولغة أجنبية وشركات أجنبية! إجابات كثيرة كانت خالية من حقائق مدعَّمة علمياً أو نتائج وأرقام علمية، بل كانت بعيدة عن الواقع، أما رؤية الإصلاح فمؤجلة في انتظار ما يفعله الخبراء الأجانب والشركات الأجنبية، وكأن الوزارة ليست فيها قيادات وطنية تمتلك الكفاءة والخبرة والقدرة على تطوير الواقع التعليمي. غالبية الإجابات كانت تقف عند كلمة "يجب"، إلى درجة جعلت مقدم البرنامج يقول للوزير: "يبدو أن روحك الأكاديمية حاضرة جداً لأنك تتحدث (يجب... يجب...)، أنت رجل الآن في موقع القرار". لذلك أجد نفسي مضطراً، لضيق المساحة، أن أرد هذا الأسبوع على بعض ما جاء في حديث الوزير وأترك الباقي للأسبوع القادم. أول ما يلفت النظر في حديث الوزير قوله: إن "مدارسنا سجوناً منفرة" مجرد حواجز وشبابيك حديدية وأسلاك شائكة. وهذا أمر فيه الكثير من المبالغة، لأن الذين بنوا هذه المدارس لم يكونوا مأموري سجون أو جلادين، بل بنوها على أسس وأهداف تربوية تلبي احتياجات العملية التعليمية والبيئة التربوية، وكانت نموذجية لمتطلبات كل مرحلة تعليمية مقارنة بمدارس كثيرة في العالم. لقد تم بناؤها بالتعاون مع وزارة الأشغال، وفق مواصفات ومعايير عالمية تراعي المناخ التربوي والطقس الحار وكافة خصوصيات المجتمع الإماراتي، والأهم أنها كانت معتمدة من المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو". وفي كتابه "قيادة العمل التربوي" أشار الدكتور علي الشرهان وزير التعليم السابق إلى هذه الحقيقة عندما قال: "بالتعاون مع وزارة الأشغال تم إدخال تحسينات عديدة على تصميمات المدارس تلبي احتياجات التطوير وتوفير قاعات متعددة الأغراض ومراكز مصادر التعليم وسبورات بلاستيكية وتوسيع المختبرات العلمية، وظلال لكل الساحات المدرسية، وبناء مدارس نموذجية متكاملة التجهيزات، وتنفيذ خطة متكاملة لإجراء الصيانة الشاملة وإبدال المدارس القديمة بمدارس وفق التصاميم المعدلة تكون قادرة على توفير المناخ للتعليم النشط وإعداد مواصفات لمبان جديدة عن طريق مؤسسة دولية تم بموجبها توفير تصاميم لمدرسة المستقبل". هذه المدارس خرجت أجيالاً عديدة منذ بداية الاتحاد، وهي التي تقود اليوم حركة التنمية التي تعيشها الدولة... فهل هؤلاء كانوا يتعلمون في سجون؟ وللحديث بقية.