في ظل غياب الوعي الاستهلاكي لدى الغالبية العظمى لأفراد المجتمع، والثقافة الاستهلاكية السائدة التي تجعل هدف المستهلك الحصول على (الماركة)، وليس الجودة، نتيجة المحاكاة والتقليد، وفي خضم الدعاية التي تروِّج بها الشركات والمحال التجارية لبضائعها، والأساليب المتباينة والمتجددة التي تتبعها في إغراء الزبائن بمزيد من الشراء، فقد أصبح النمط الاستهلاكي بدولة الإمارات يشكِّل تحديات حقيقية تواجه الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، حيث ارتفع معدل الإنفاق الاستهلاكي في الدولة، خلال النصف الأول من العام الماضي، إلى مستويات خطيرة بلغت نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل سعي ?شريحة متزايدة من المجتمع لتوفير الكماليات على حساب الضروريات،? ?بل إن هذه الكماليات ?ما تلبث أن تصبح ضروريات لا? ?غنى عنها، ما يمثل المعوِّق الرئيسي أمام أي خطط مستقبلية جادة للانتقال بالاقتصاد المحلي إلى مرحلة الإنتاج بمعناها المادي والمعنوي، بعد أن بلغ متوسط استهلاك الفرد بالإمارات أكثر من سبعة أضعاف متوسط استهلاك الفرد في بقية الدول العربية. وفي ظل عدم وجود مؤسسة قوية تحمي المستهلك وتمارس مهامها كافة، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الصلة، فلابد وأن تتكون لدى المستهلك ثقافة استهلاكية ذاتية تتطور مع الزمن، ويكون من خلالها رقماً مهماً وفاعلاً في انتشار السلعة أو انحسارها، وفي ارتفاع سعرها أو انخفاضه، خاصة في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده الدولة. فمع تراجع سعر صرف الدرهم بواقع 10% أمام العملة الأوروبية الموحَّدة، خلال العام الماضي، وارتفاع معدل التضخم إلى 10%، فقد شهدت أنماط الاستهلاك تحوّلات مهمة أجبرت المورِّدين على التحرك باتجاه البدائل الأرخص من أسواق السلع الآسيوية، وهي الأسواق التي بدأت الدول الأوروبية نفسها تصنيع منتجاتها فيها، لتتجاوز الآثار السلبية لارتفاع سعر صرف عملتها، حيث تدخل هذه البضائع السوق الإماراتية كبضاعة أوروبية منافسة في السعر والنوعية للسلع الآسيوية، ما شكّل بدائل متنوعة أمام المستهلك المحلي، أسهمت كثيراً في الحد من انعكاسات انخفاض قيمة الدرهم على معدلات التضخم في السوق المحلية. ومع مزيد من الحرية الاقتصادية وانفتاح الأسواق، تظهر العديد من المشاكل التي تجلبها حرية المستهلك، ما يحتم ضرورة الاهتمام أولاً بحماية هذا المستهلك من نفسه، من خلال توجيهه نحو ترشيد الاستهلاك أو الإنفاق وتغيير نمط استهلاكه، إذ إن القوانين والإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية بحماية المستهلك، قد لا تكون لها قيمة دون ثقافة استهلاكية واعية قائمة على إدراك شامل بمعطيات ومتغيرات السوق. فلا أحد يطالب بمنع الناس من الشراء، ولكن المؤشرات السلبية الخطيرة التي تفرزها الظواهر الاستهلاكية السيئة، تتطلب من الجهات المعنية التدخل لوضع ضوابط تنظيمية للحد من هذه الظاهرة، كما أنه لابد من زيادة تفعيل دور المؤسسات الأهلية المعنية بحماية وتوعية المستهلك، بحيث تؤدي دورها في رفع الوعي الاستهلاكي لدى المجتمع. فكما أن أفراد المجتمع مطالبون بحماية أنفسهم من المشاكل المترتبة على النمط الاستهلاكي غير المبرر، فإن تحركات جادة على المستوى الاتحادي مطلوبة للانفلات من فخ الاستهلاك، والحدّ من الشراهة الاستهلاكية من خلال تعميق الوعي بثقافة الحماية الذاتية للمستهلك وتغيير العادات الاستهلاكية، كما أن وسائل الإعلام المحلية مطالبة هي الأخرى بأن تلعب دوراً إيجابياً في مواجهة الحملة الإعلانية الشرسة للشراء. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.