تعمل قوى خارجية اليوم على إذكاء صراع أهلي في منطقة الشرق الأوسط، غير أن ساحة الصراع هذه المرة ليست العراق؛ بل إن "حرب الوكالة" هذه تحدث في الأراضي الفلسطينية. والحقيقة أن العنف الدائر في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تكن وراء إشعاله الولايات المتحدة أو إيران، ولكنه تطور إلى معركة بينهما، تدعم خلالها واشنطن وطهران فصائل متنافسة داخل الأراضي الفلسطينية؛ حيث يعد الصراع بين حركة "فتح"، التي ينتمي إليها الرئيس محمود عباس، والحكومة، التي تسيطر عليها "حماس"، ذروة صراع بدأ منذ عقد من الزمن من أجل الهيمنة على الساحة السياسية الفلسطينية في مرحلة ما بعد عرفات. والحال أن أكثر ما تهتم به واشنطن وطهران هو تأمين مصالح إقليمية متعارضة. فعلى غرار حرب الصيف الماضي بين إسرائيل و"حزب الله" التي استغلها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لنزع المصداقية عن الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، ها هو اليوم يرى فرصة أخرى للقيام بالأمر نفسه. حيث يرى في دعم "حماس" –التي تدعو إلى تدمير إسرائيل وتقدم الخدمات الاجتماعية للفلسطينيين- وسيلة لوضع بلاده على الجانب الصحيح لأكثر المسائل أهمية بالنسبة للعالم العربي، وهي القضية الفلسطينية. وبالفعل، فقد سعت إيران دائماً إلى استغلال موقعها على الموضوع الفلسطيني من أجل توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط على حساب حلفاء الولايات المتحدة مثل مصر والسعودية والأردن. فخلافاً لهذه الدول، حرص الإيرانيون على الاستمرار في دعمهم المالي لبعض الفصائل الفلسطينية؛ وفي هذا السياق، تحدثت بعض التقارير الإخبارية عن أن الـ35 مليون دولار التي اكتُشفت مؤخراً مع رئيس الوزراء إسماعيل هنية أثناء دخوله إلى غزة إنما هي أموال إيرانية. فبالنسبة للإيرانيين، تعد مساعدة "حماس" مالياً ضد "فتح" -وهي المنظمة التي ارتبطت بالولايات المتحدة خلال سنوات المحادثات مع ياسر عرفات- جانباً واحداً فقط مما غدا جهداً ناجحاً لبناء هيبة لطهران بين جيرانها العرب. وبالرغم من التركيز الأخير لصناع القرار ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية على الانقسام بين طوائف متعددة ومجموعات عرقية في الشرق الأوسط، فإنه عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فإن الأغلبية الساحقة من شعوب المنطقة لا تولي اهتماماً كبيراً لحقيقة أن إيران دولة شيعية وذات أغلبية فارسية، وليست عربية أو سُنية. والواقع أن دعم واشنطن للرئيس الفلسطيني محمود عباس و"فتح" محاولة لا ترمي إلى عرقلة "حماس" فحسب، وإنما أيضاً إلى إضعاف قوة إيران المتنامية في المنطقة. ذلك أنه إضافة إلى انتصار "حزب الله" في الانتخابات الصيف الماضي والفوضى الحالية التي تعصف بالعراق، فإن من شأن هزيمة عباس أن تفسح جزءاً مهماً آخر من الشرق الأوسط أمام النفوذ الإيراني، وتكرس الإحساس بأن الولايات المتحدة وإسرائيل والقوى العربية الكبرى في موقع الدفاع وغير قادرة على ردع مساعي إيران إلى النفوذ في المنطقة. في أكتوبر المنصرم، اقترحت إدارة بوش تقديم 26 مليون دولار لقوات الشرطة الفلسطينية التابعة لعباس، وذلك على شكل تدريبات وأسلحة. والواقع أنه من المنطقي تسليح القوات الموالية لعباس ضد "حماس" المدعومة من قبل إيران، غير أن هذه السياسة تقوم على الاعتقاد بأن "فتح" يمكنها أن تضعف "حماس" أو على الأقل أن تحارب المنظمة بهدف إقامة توازن. والحال أنه من الممكن جداً أن تنتصر "حماس"، وهو ما سيمثل انتكاسة إضافية للولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء واشنطن العرب. ففي نهاية المطاف، تعد "حماس" أفضل عدة وتنظيماً من القوات التابعة لـ"فتح". تمثل الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى المنطقة الأسبوع الماضي خطوة أولى محمودة في إطار جهود دبلوماسية هادئة من أجل مساعدة عباس على مناورة "حماس" سياسياً؛ وبالتالي، إضعاف النفوذ الإيراني. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه من المفيد أن تركز جهودها على السعي إلى تحقيق إجماع عربي يدعم إجراء انتخابات فلسطينية مبكرة؛ والعمل مع الإسرائيليين على إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، وخصوصاً النساء والأطفال منهم؛ وتشجيع الجيش الإسرائيلي على رفع نقاط التفتيش التي تعيق حركة الفلسطينيين؛ ودعم أفق سياسي لقيام الدولة الفلسطينية. سياسة تدريب القوات الموالية للرئيس محمود عباس تشبه في جوانب كثيرة منها الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق، حيث عملت واشنطن بصفة خاصة على تدريب مجموعة من المليشيات من أجل محاربة غيرها. والحال أنه بدلاً من تشجيع صراع من هذا القبيل في المناطق الفلسطينية، يتعين على إدارة بوش أن تركز على توفير دعم عام لعباس، وهو ما سيفضي إلى تقوية قبضتها في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وتطويقه. ستيفن كوك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل في "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"