صناعة الفرحة ورسم الابتسامة على الوجوه ليست مهمة سهلة كما يعتقد الكثيرون، فقد يكون من السهل إدخال البهجة إلى قلوب شريحة، قليلة أو كثيرة، من الناس، ولكن من الصعب أن تدخل البهجة ذاتها، وبالقدر نفسه من التوهج، إلى قلوب جميع الناس، ولكنّ منتخبنا الوطني لكرة القدم فعلها، ورسم الفرحة على الوجوه حين نجح في تخطي فريق الكويت الشقيق، وصعد إلى الدور الثاني من "خليجي 18". العبرة في مشاعر الفرحة الجماعية التي حلَّقت في سماء الإمارات، مساء أمس الأول، لا تقتصر بالطبع على الفوز بمباراة لكرة القدم، رغم أهمية هذا الإنجاز في الاقتراب من احتضان كأس بطولة ذات مكانة استثنائية في قلوب الخليجيين ، ولكنّ مشاعر الفرحة والبهجة هذه تشتمل على معانٍ ودلالات عديدة، وهذه المعاني لا تنطوي بالضرورة على تحليل فلسفي ولا تنظير ديماغوجي يفسر الفوز بمباراة لكرة القدم أو يسعى إلى توظيفه سياسياً أو غير ذلك، ولكن الحقيقة هي أن "حالة الفرح" جديرة بشدّ الانتباه، ليس فقط لندرة هذه المشاعر الجماعية الإنسانية الرائعة، في زمن لم تعد آذاننا تتلقى فيه على مدار الساعة سوى أخبار القتل وسفك الدماء والحروب والصراعات، عبر ملاحقات متواصلة ودؤوبة من نشرات الأخبار والرسائل الإلكترونية، ولكن أيضاً لأننا جميعاً كنا بحاجة إلى هذه اللحظة الكروية الجماعية العابرة، كي يترسخ في يقيننا أن الرياضة لم تعد مجرد وسيلة ترفيه وتسلية لشريحة معيّنة من الجمهور، ولكنها باتت تنطوي على رمزية هائلة تعبّر في مكنونها عن مزيج من الولاء والانتماء ومشاعر الحب للأرض والوطن، وتعكس مقدرة هائلة على نسف ما دون ذلك من مشاعر والقفز عليها. لقد وجدنا هذه المشاعر الفياضة أيضاً، لدى بقية مشجعي الفرق الخليجية الشقيقة، ولكنها كانت طاغية بوضوح لدى الإخوة العراقيين الذين دعموا فريقهم بقوة وحماسة بالغة لا تغيب دلالاتها عن الكثيرين، فالكل اصطفَّ في المدرَّجات وهتف بصوت واحد وانفعل بدرجة واحدة، والمعنى أيضاً في كل هذه الحالات كان واحداً: الرياضة قادرة على توحيد المشاعر، والتغلب على الأحزان، وتجاوز المعتقدات والانتماءات والتوجّهات والولاءات، فالفرح الجماعي يوحِّد القلوب مثلما يوحِّدها الحزن الجماعي! حالة الفرحة والالتفاف الجماعي وراء منتخبنا الوطني لكرة القدم، ربما يشيران إلى أننا بحاجة لالتقاط رسائل الفرحة الجماعية التي برزت أيضاً وبوضوح مماثل في الاحتفالات الأخيرة بالعيد الوطني، خلال ديسمبر الماضي، وجميعها مواقف تتطلب استثماراً جيداً يترجم هذه المشاعر الجماعية الجياشة، ضمن منظومة خطط واستراتيجيات تستهدف ترسيخ الانتماء والولاء، وحشد الجهود، وشحذ الهمم، لتعزيز الإنتاج وإطلاق طاقات الإبداع في مختلف مواقع العمل والإنتاج في كل شبر من هذه الأرض الطيبة. مظاهر الفرحة الطاغية التي عمَّت الشوارع، وملأت القلوب كانت بمنزلة استفتاء غير مبرمج على مكانة الرياضة في حياتنا، وأيضاً على حب الوطن وعمق الانتماء وتوحُّد المشاعر، إذ كان الفوز والتأهل للدور الثاني مثل "كبسولة سعادة" لجميع أبناء الوطن، وأجمل ما في هذه المشاعر هو الصورة الحضارية التي خرجت بها في الشوارع والميادين. بالطبع ليس هناك أروع من رفع (علم الإمارات) في مقدمة الصفوف، وليس هناك أجمل من رسم الابتسامة على الوجوه وإدخال البهجة إلى القلوب، وقد أثبت "خليجي 18" ارتفاع مؤشر الولاء والانتماء والاصطفاف وراء منتخبنا الذي بادل جمهوره حباً بحب، وعطاءً بعطاء، والتمنيات أن تستمر الفرحة، وأن يتواصل العطاء والانتصارات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.