منذ ما يزيد على شهر بأيام قليلة، كان الموقف في الصومال يبدو ميئوساً منه. فـ"اتحاد المحاكم الإسلامية" كان يشدد قبضته على البلد في نمط شبيه بالنمط الطالباني، وكان "الجهاديون" يتدفقون إلى ما بدا وكأنه ملاذ جديد للإرهابيين في الصومال، وكانت محاولات "السي.آي.إيه" لإمداد زعماء الحرب المحليين بالمال قد أخفقت، كما كانت الحكومة الانتقالية المعتدلة تحت الحصار في عاصمتها المؤقتة" بيداوا". وفجأة، وفي اليوم السابق على الكريسماس، عبرت القوات المسلحة الإثيوبية الحدود الفاصلة بين البلدين. ومن المعروف أن إثيوبيا تمتلك أقوى جيش في المنطقة، وهو ما يرجع جزئياً للتسليح والمساعدات والمستشارين الذين تقدمهم أميركا لهذه الدولة. علاوة على ذلك تتقاسم أميركا المعلومات الاستخباراتية مع الإثيوبيين، كما أن هناك أنباء تفيد بأن عدداً محدوداً من قوات العمليات الخاصة الأميركية موجود على الأرض بالفعل هناك. وخلال أيام من دخول القوات الإثيوبية هُزمت بشكل ساحق قوات "المحاكم الإسلامية" التي كانت تبدو حتى ذلك الوقت غير قابلة للهزيمة. وبينما كان "الجهاديون" يفرون جنوباً، انطلقت طائرات أميركية من طراز "آيه- سي 130"، وقصفت عناصر إرهابية يشتبه بأن لها علاقة بتفجير مباني السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام. وكانت وكالات الاستخبارات الأميركية المختلفة تتعقب هؤلاء الإرهابيين منذ سنوات، ولكنها لم تتمكن من ضربهم إلا بعد أن تم إخراجهم من ملاذاتهم وأصبح من الممكن مهاجمتهم. وعلى رغم أن معظم الجدل السياسي الدائر في الولايات المتحدة حالياً يتركز على العراق، فإن البعض في "البنتاجون" أخذوا يطنبون في الحديث عن الأحداث الأخيرة في الصومال باعتبارها نموذجاً بديلاً للطريقة التي يمكن بها للولايات المتحدة أن تحارب جماعات العنف والتطرف الإسلامية. إن الجميع يعرف أن أميركا لم تعد لديها شهية كبيرة لإرسال أعداد ضخمة من القوات الأميركية لاحتلال أي دولة إضافية من دول الشرق الأوسط، وهو ما يطرح تساؤلاً مؤداه: ألا يمكن للولايات المتحدة أن تحقق أهدافها من خلال الاستفادة من الحلفاء المحليين، في أي بلد، المدعومين بقوة النيران الأميركية، وبأعداد صغيرة من "الكوماندوز" وعملاء الاستخبارات؟ إن هذا النهج الذي يوصف بأنه نهج "منخفض القوة" استخدِم في الإطاحة بنظام "طالبان" في خريف 2001 ويحتوي من المزايا ما يكفي للتوصية باتباعه.. ولكن هناك مع ذلك عدة محاذير يجب أخذها في الاعتبار: أولاً، أنه لا يمكن الثقة بالحلفاء المحليين بشكل دائم لأنهم أحياناً ينفذون في حالات كثيرة أجندات مختلفة عن أجنداتنا. وعلينا أن نتذكر في هذا السياق كيف سمح الأفغان المسلحون لأسامة بن لادن وأتباعه بالهروب من "تورا بورا" عام 2001، وكيف أننا نعاني من الكثير من الصعوبات في سياق التعامل مع حكومة نوري المالكي في العراق في الوقت الراهن. ثانياً، أن الهجوم أسهل من الدفاع.. حيث لم يتطلب الأمر منا قوات كبيرة لدحر "طالبان" في أفغانستان، أو دحر "الحرس الجمهوري" في العراق أو "اتحاد المحاكم الإسلامية" في الصومال، غير أن الاستمرار في السيطرة على بلاد كبيرة مثل هذه، مهمة أكثر صعوبة تتطلب أعداداً أكبر بكثير من القوات. وإذا لم توفر الولايات المتحدة مثل هذه القوات، أو إذا لم يتيسر توفيرها بواسطة حلفائها المحليين، فمن أين يمكن توفيرها إذن؟ مثالياً، يمكن توفيرها من خلال تدريب وتسليح عناصر محلية من قبل الولايات المتحدة. ولكن، وكما رأينا في أفغانستان والعراق فإن تشكيل تلك القوات وتوصيلها إلى الدرجة التي يمكنها عندها أن تقف على قدميها وتعتمد على نفسها عملية شاقة تستغرق وقتاً طويلاً كما أنها تمثل في الحقيقة سباقاً ضد الزمن حيث يصبح السؤال هو: هل تتمكن الحكومة من تعزيز سيطرتها قبل أن يشرع الإسلاميون في شن حملة حرب عصابات ناجحة؟ وهذا الخطر يبدو واضحاً في الصومال على وجه الخصوص. فبمجرد أن تتم القوات الإثيوبية انسحابها من هناك، فإن الاحتمال الأرجح هو أن ينزلق الصومال ثانيةً إلى هاوية الحروب العشائرية من ذلك النوع الذي ساد البلاد منذ سقوط حكم محمد سياد بري عام 1991، كما أنه ما لم يتم ملء فراغ القوة هناك فإن ذلك سيجعل من السهل على الإسلاميين أن يبدأوا في عمليات تمرد ضد الحكومة. ثالثاً، أن الولايات المتحدة لن تجد دائماً حرية للحركة والعمل مثل تلك التي يمكن أن تجدها في دولة بدون حكومة مثل الصومال، مما يعني بالتالي أن حرية عملها ضد الإرهابيين ستكون أقل في دول أخرى عنها في الصومال. ويكفي أن نتذكر في سياق التدليل على ذلك أن بعض ضباط "السي.آي.إيه" قد يواجهون في الوقت الراهن حكماً بالإدانة في إيطاليا بسبب إقدامهم على خطف شخص مشتبه به من أحد شوارع "ميلانو" عام 2003. إذن دعونا -بكافة المقاييس- نحتفل بالإنجازات التي تحققت في الصومال حتى الآن على رغم أننا لم نعرف بعد ما انتهى إليه أمر "المحاكم الإسلامية". وسبب الدعوة للاحتفال هو أن الصومال -على العكس من العراق الذي تعرضنا فيه لنكسات عديدة- تبين فيه بجلاء أن المتمردين قابلون للهزيمة. ولكن علينا أن نراعي هنا أيضاً أن "النموذج الصومالي" ليس قابلاً للتصدير بسهولة إلى أماكن أخرى. إن هذه الحقيقة تدعونا لتفصيل مناهجنا المختلفة وفق مقاس التهديدات المختلفة التي نواجهها في المسرح العالمي للحرب ضد الإرهاب ومقاومة التمرد.. فهذه الحرب ليست حرباً موحدة تناسب جميع المقاسات. ماكس بوت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"